الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : أما طلب العلم فعلى أربعة أقسام :

أحدهما : ما تعين فرضه على كل مكلف وهو ما لا يخلو مكلف من وجوب فرضه عليه ، كالطهارة والصلاة والصيام ، فيلزمه العلم بوجوبه وصفة أدائه على تفصيله لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :علموهم الطهارة والصلاة وهم أبناء سبع فلما أمر بتعليم من لم يلزمه الفرض كان تعليم من لزمه أولى ، ولا يلزمه أن يعرف أحكام الحوادث فيها : لأنها عارضة وإنما يلتزم الراتب من شروطها .

والقسم الثاني : ما يتعين فرض العلم بوجوبه على كل مكلف ، ويتعين فرض العلم بأحكامه على بعض المكلفين دون جميعهم ، وهو الزكاة والحج : لأن فرضهما لا يتعين على كل مكلف ، ويتعين على بعضهم ، فتعين فرض الحكم على من تعين عليه فرض الفعل ، فيكون فرض العلم بوجوبه عاما ، وفرض العلم بأحكامه خاصا .

والقسم الثالث : ما يتعين فرض العلم بوجوبه ، ولا يتعين فرض العلم بأحكامه ، وهو تحريم الزنا ، والربا والقتل ، والغصب وأكل الخنزير ، وشرب الخمر ، فيلزمهم العلم بتحريمه ، لينتهوا عنه ، ولا يلزمهم العلم بأحكامه إذا فعل : لأنهم منتهون عنه .

والقسم الرابع : ما كان فرض العلم به على الكفاية ، وهو جميع الأحكام من أصول وفروع ونوازل ، لقول الله تعالى : فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين [ التوبة : 122 ] . فيه تأويلان :

[ ص: 150 ] أحدهما : فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة في الجهاد ، لتفقه الطائفة المقيمة .

والثاني : فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ، في طلب الفقه لتجاهد الطائفة المتأخرة .

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : طلب العلم فريضة على كل مسلم ، وفيه تأويلان :

أحدهما : أنه أراد علم ما لا يسع جهله .

والثاني : أنه أراد جملة العلم إذا لم يقم بطلبه من فيه كفاية .

فإذا ثبت أن طلب العلم من فروض الكفاية توجه فرضه إلى من تكاملت فيه أربعة شروط :

أحدها : أن يكون مكلفا بالبلوغ والعقل : لأن دخوله في فرض الكفاية تكليف .

والثاني : أن يكون ممن يجوز أن يقلد القضاء بالحرية والذكورية : لأن تقليد القضاء من فروض الكفاية ، فلم يدخل في فرض الكفاية امرأة ولا عبد .

والثالث : أن يكون من أهل الذكاء والتصور ليكون قابلا للعلم ، فإن كان بليدا لا يتصور خرج من فرض الكفاية : لفقد آلة التعلم ، كما يسقط فرض الجهاد عن الأعمى والزمن .

والرابع : أن يقتدر على الانقطاع إليه بما يمده فإن عجز عنه بعسره خرج من فرض الكفاية : لقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت .

فإذا تكاملت هذه الشروط الأربعة في عدل أو فاسق توجه فرض الكفاية إليه : لأن الفاسق مأمور بالإقلاع عن فسقه فصار ممن توجه إليه فرض الكفاية مع فسقه ، فإن لم يقم بطلبه من فيه كفاية ، خرج من الناس من تكاملت فيه هذه الشروط الأربعة ، وإن أقام بطلبه من فيه كفاية انقسمت حاله ، وحال من دخل في فرض الكفاية أربعة أقسام :

أحدها : من يدخل في فرض الكفاية ، ويسقط به فرضها إذا علم ، وهو من تكاملت فيه الشروط الأربعة إذا كان عدلا .

والقسم الثاني : من يدخل فيه فرض الكفاية ، ولا يسقط به فرضها إذا علم ، وهو من تكاملت فيه هذه الشروط الأربعة إذا كان فاسقا : لأن قوله غير مقبول .

والقسم الثالث : من لا يدخل في فرض الكفاية ، ويسقط به فرضها إذا علم ، وهو من أعسر بما يستمده ، وقد كمل ما عداه ، فلا يدخل في فرض الكفاية لعسرته ، ويسقط فرضها لكفايته .

[ ص: 151 ] والقسم الرابع : من لا يدخل في فرض الكفاية ، وفي سقوط فرضها به وجهان ، وهو المرأة والعبد :

أحدهما : يسقط بها فرض الكفاية : لأن قولهما في الفتاوى مقبول .

والوجه الثاني : لا يسقط بهما فرضهما لقصورهما عن ولاية القضاء الداخل في فرض الكفاية . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية