الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الاسترقاق فمن علم أنه قوي البطش ذليل النفس فهو من أهل الاسترقاق ، وله حالتان :

إحداهما : أن يكون ممن يجوز إقراره بالجزية كأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، أو من له شبهة كتاب كالمجوس ، فيجوز أن يسترق ، ويقر على كفره بالرق كما يقر عليه بالجزية .

والحال الثانية : أن يكون ممن لا يقر على كفره بالجزية كعبدة الأوثان ، ففي جواز إقراره على كفره بالاسترقاق وجهان :

أحدهما : وهو الظاهر من مذهب الشافعي وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجوز أن يسترق ويقر على كفره بالرق ، وإن لم يقر عليه بالجزية : لأن كل من جاز إقراره بالأمان جاز إقراره بالاسترقاق ، كالكتابي طردا وكالمرتد عكسا .

والوجه الثاني : وهو قول أبي سعيد الإصطخري : إنه لا يجوز إقراره بالاسترقاق ، كما لا يجوز إقراره بالجزية ، ويبقى خيار الإمام فيه بين القتل أو الفداء أو المن ، ولا فرق على كلا الوجهين بين العرب منهم والعجم .

وقال أبو حنيفة : إن كانوا عجما جاز استرقاقهم ، وإن كانوا عربا وجب قتلهم ولا يجوز استرقاقهم لمبالغة العرب في عداوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإخراجه من بلده ، فصاروا بذلك أغلظ جرما وصار قتلهم محتما ، وهذا خطأ لأمرين :

أحدهما : أن الاسترقاق عقوبة تتعلق بالكفر ، فوجب أن يستوي فيها العربي والعجمي كالقتل .

والثاني : أن كل كافر جاز استرقاقه إذا كان أعجميا ، جاز استرقاقه إذا كان عربيا كأهل الكتاب فهذا حكم الاسترقاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية