الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والفصل الخامس : مدة الأمان وهي مقدرة الأكثر بالشرع ، ومقدرة الأقل بالعقد ، فأما أكثرها ففيه نص واجتهاد ، فأما النص بأربعة أشهر لقول الله تعالى : فسيحوا في الأرض أربعة أشهر [ التوبة : 2 ] . هذا أمان من الله تعالى للمشركين ، وفي قوله : فسيحوا في الأرض تأويلان :

أحدهما : تصرفوا فيها كيف شئتم .

والحال الثانية : سافروا فيها حيث شئتم ، وأما الاجتهاد فلا يجوز أن يبلغ به سنة إلا بجزية إن كان من أهلها ، فيصير ببذلها من أهل الذمة ، وفيما بين أربعة أشهر وسنة وجهان :

أحدهما : لا يجوز أمانه فيها لمجاوزتها النص كالسنة .

والوجه الثاني : يجوز أمانه فيها لقصورها عن مدة الجزية كالنص في الأربعة ، فإذا استقر أكثر مدته بالشرع لم يخل حال من الأمان من أن يكون مطلقا أو مقيدا ، فإن كان مطلقا لم يقيد بمدة ، حمل على أكثر المدة المشروعة نصا ، ولا يحمل على المقدرة [ ص: 201 ] اجتهادا : لأنه لم يتقدر به وقت الأمان حكم مجتهد ، فانعقدت على مدة النص دون الاجتهاد ، وليس له فيما بعدها أمان يمنع الشرع منه ، لكن لا ينتقض أمانه إلا بعد إعلامه انقضاء المدة الشرعية ، ويجب أن يرد بعدها إلى مأمنه ، وإن كان الأمان مقيدا بمدة فعلى ثلاثة أقسام :

أحدهما : أن يقدر بالمدة المشروعة نصا واجتهادا ، فيجب أن يستوفيها بمقامه ، فإن كان أمانه في بلد بعينه : جاز أن يستوفي المدة بمقامه فيه ، وله بعد انقضائها الأمان في مدة عوده إلى بلده ، وإن كان الأمان عاما في بلاد الإسلام كلها انتقض أمانه بمضي المدة ، ولم يكن له أمان في قدر مسافة لاتصال دار الإسلام بدار الحرب ، فصار ما اتصل بدار الحرب من بلاد أمانه ، فلم يحتج إلى مدة مسافة الانتقال منها بخلاف البلد المعين ، ولا يجوز إذا تجاوزها أن يسبى حتى يرد إلى مأمنه .

والقسم الثاني : أن تقدر مدة أمانه بأقل من المدة المشروعة ، كإعطائه أمان شهر فلا يتجاوز مدة الشرط إلى مدة الشرع اعتبارا بموجب العقد ، ويكون بعد انقضائها على ما مضى .

والقسم الثالث : أن تقدر مدة أمانه بأكثر من المدة المشروعة ، كإعطائه أمان سنة أو أمان الأبد فيبطل الأمان فيما زاد على المدة المشروعة نصا واجتهادا ويصير مقصورا على المدة المشروعة نصا واجتهادا ، ويصح فيها قولا واحدا ، وخرج بعض أصحابنا فيه قولا ثانيا : من تفريق الصفقة إذا جمعت صحيحا وفاسدا تعليلا بتفريقها بأن اللفظة تعمها ، ولا وجه لهذا التخريج : لأنه من عقود المصالح العامة التي هي أوسع من أحكام العقود الخاصة ، ويجب إعلامه بحكمنا وهو على أمانه ما لم يعلم ، فإذا علم زال الأمان ، ووجب رده إلى مأمنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية