الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإن حملت فهكذا وتقوم عليه إن كان بها حمل وكانت له أم ولد " .

قال الماوردي : وصورتها أن تحمل منه الجارية التي وطئها من المغنم ، فيتعلق بحملها أربعة أحكام بعد ثلاثة قدمنا ذكرها في اختصاصها بالوطء :

أحدها : سقوط الحد .

والثاني : وجوب التعزير مع العلم بالتحريم .

والثالث : استحقاق المهر ، فأما الأحكام الأربعة المتعلقة بإحبالها :

فأحدها : لحوق الولد به .

والثاني : حريته .

والثالث : وجوب قيمته .

والرابع : أن تصير الجارية به أم ولد .

فأما لحوق الولد فهو لاحق به ، سواء اعترف به أو لم يعترف ، إذا وضعته لزمان يمكن أن يكون منه .

وقال أبو حنيفة : لا يلحق به ، وبناه على أصله في أن ولد الأمة لا يلحق بسيدها إلا بالاعتراف ، وعندنا يلحق بالفراش ، وقد صارت فراشا بهذا الوطء ؛ لأنه وطء شبهة يسقط فيه الحد فأشبه وطء الحرة .

[ ص: 237 ] وأما حرية الولد فهو حر : لأنه لحق به عن شبهة ملك ، وعند أبي حنيفة يكون مملوكا لأنه لم يلحقه به .

وأما قيمة الولد فتعتبر بحال الأم فيما يستقر لها من حكم ، والأم قد أحبلها في شبهة ملك ، وولد المملوكة ينقسم ثلاثة أقسام قد تكررت في كثير من هذا الكتاب :

أحدها : ما تصير به المملوكة أم ولد ، هو أن تلد حرا من مالك كالسيد .

والثاني : ما لا تصير به أم ولد ، وهو أن تلد مملوكا من غير مالك كالزوج .

والثالث : ما اختلف قول الشافعي فيه وهو أن تلد حرا من غير مالك كالحر إذا وطئ أمة غيره بشبهة فلا تكون قبل أن يملكها الواطئ أم ولد ، وهل تصير له بعد ملكها أم ولد أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : تصير له أم ولد ، قاله في كتاب حرملة .

والقول الثاني : لا تصير له أم ولد ، قاله في كتاب الأم ، وهذه الجارية السبية قد ولدت حرا في شبهة ملك ، ولها حالتان :

إحداهما : أن يكون ذلك قبل قسمتها بين الغانمين .

والحال الثانية : أن تكون بعد قسمتها بين القبائل .

فأما الحال الأولى فهي أن يكون ذلك قبل قسمتها في الغانمين ، وهي مسألة الكتاب أن يطأها بعد السبي ، وقبل أن يتعين فيها حق أحد من الغانمين ، فهو على ضربين :

أحدهما : أن يكثر عدد الغانمين حتى لا ينحصر حق الواطئ من هذه الجارية ، فيكون واطئا لجارية لم يملكها ، ولا ملك شيئا منها ، وإنما له فيها شبهة ملك وهو أنه يملك منها في الحال أن يتملكها في ثاني حال ، فهل تصير أم ولد بحبلها إذا ملكها أم لا ؟ على قولين ، فعلى هذا قد اختلف أصحابنا هل تقوم عليه قبل الولادة لأجل علوقها منه بحر ، على ثلاثة أوجه :

أحدها : لا تقوم عليه موسرا كان أو معسرا ، سواء قيل : إنها تصير له أم ولد إذا ملكها أم لا ؟ كما لا تقوم عليه أمة غيره إذا أحبلها بشبهة ، فعلى هذا يكون عليه قيمة ولدها إذا وضعته ، فإن قسمت فصارت في سهمه ، فهل تصير له أم ولد أم لا ؟ على ما ذكرنا من القولين .

والوجه الثاني : تقوم عليه ، سواء قيل : إنها تصير له أم ولد إذا ملكها أم لا : لأنها حامل منه بحر ، وفي قسمها قبل ولادته ضرر على ولده ، وفي تأخيرها إلى الولادة ضرر على الغانمين فوجب أن تؤخذ بقيمتها : لأجل الضرر الحادث عن فعله ، فإن [ ص: 238 ] كانت قيمتها بقدر سهمه من المغنم حصلت قصاصا ، وإن كانت أكثر رد الفضل ، وإن كانت أقل دفع الباقي ، فإذا وضعت لم يلزمه قيمة ولدها ، وهل له بيعها أم لا ؟ على قولين : يجوز له بيعها في أحدهما إذا قيل : إنها لا تصير له أم ولد .

والوجه الثالث : أنها تقوم عليه إذا قيل : إنها تصير له أم ولد إذا ملكها ، ولا تقوم عليه إذا قيل : إنها لا تصير أم ولد إذا ملكها ، اعتبارا بما يتعدى إليها من حكم إيلاده ، فعلى هذا إن قومت عليه لم يلزمه قيمة ولدها ، وإن لم تقوم عليه لزمه قيمة ولدها .

التالي السابق


الخدمات العلمية