الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " ولا يؤخر الأولى عن وقتها إلا بنية الجمع وإن صلى الأولى في أول وقتها ولم ينو مع التسليم الجمع لم يكن له الجمع فإن نوى مع التسليم الجمع كان له الجمع . ( قال المزني ) : هذا عندي أولى من قوله في الجمع في المطر في مسجد الجماعات بين الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء لا يجمع إلا من افتتح الأولى بنية الجمع " .

قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا أراد المسافر الجمع بين الصلاتين فهو بالخيار إن شاء أخر الظهر إلى وقت العصر والمغرب إلى وقت العشاء ، وإن شاء قدم العصر إلى وقت الظهر ، والعشاء إلى وقت المغرب .

فإذا أراد تأخير الأولى منهما إلى وقت الثانية لم يجز له تأخيره إلا بنية الجمع ، لا يختلف فيه مذهبالشافعي ، وسائر أصحابه : لأن تأخير الصلاة عن وقتها قد يكون تارة معصية ، وهو أن يؤخرها عامدا لغير جمع ، وقد يكون تارة مباحا وهو أن يؤخرها للجمع [ ص: 395 ] وصورة التأخيرين سواء فلم يكن بد من نية الجمع مع التأخير ليميز بين تأخير المعصية ، وغير المعصية ، فإذا نوى الجمع بتأخير الظهر إلى وقت العصر قدم الظهر فصلاها أولا ، ثم العصر بعدها ، ولم يتنفل بينهما بل يأتي بالعصر عقب الظهر من غير تطاول ، ولا فصل ، فإذا أتى بهذين الشرطين أعني تقديم الظهر وقرب الزمان صح له الجمع وكان مؤديا لكلا الصلاتين ، لأن وقت الجمع وقت الصلاتين المجموعتين .

وإن أخل بأحد الشرطين وهو قرب الزمان فصلى الظهر أربعا ، ثم تنفل ، أو صبر زمنا طويلا ، ثم صلى العصر لم يكن جامعا بينهما ، وكان قاضيا للظهر مؤديا للعصر ، ولا يكون بذلك عاصيا : لأنه قد صلى العصر في وقتها ، والظهر قد كان له تأخيرها ، وإن كان إخلاله بالشرط الآخر : وهو أن يقدم العصر أولا ، ثم يصلي الظهر بعدها فلا يكون جامعا بينهما في الحكم ، ويجزئه الصلاتين معا .

ثم ينظر فإن صلى الظهر عقيب العصر من غير تطاول لم يكن عاصيا ، وكان بمنزلة من نسي صلاة الظهر ، ثم ذكرها وقد دخل وقت العصر ، الأولى أن يقدم صلاة الظهر ، وجائز أن يقدم صلاة العصر ، وإن تطاول الزمان كأنه صلى العصر ، ثم صبر زمانا طويلا ، ثم صلى الظهر فهذا عاص لتأخير الظهر بعد العصر إذا تطاول الزمان : لأن له تأخيرها إلى وقت العصر بنية الجمع ، ويجوز له تقديم العصر عليها إذا ترك الجمع ، ولا يجوز له تأخيرها بعد صلاة العصر ، فإن أخرها كان عاصيا ، وعلى هذا التفصيل يكون الجواب من إخلاله بالشرطين معا فهذا الكلام في تأخير الظهر إلى وقت العصر ، وكذلك المغرب إلى وقت العشاء الآخرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية