الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما إن أراد تقديم العصر إلى وقت الظهر فلا يصح له الجمع بينهما إلا بثلاث شرائط :

أحدها : تقديم صلاة الظهر أولا ، ثم يفعل العصر بعدها لأن وقت الظهر ليس بوقت للعصر لا في الأداء ، ولا في القضاء ، وإنما تقديم العصر إلى وقت الظهر في الجمع تبعا لها ، فإن قدم العصر على الظهر أجزأته صلاة الظهر ، ولم تجزه صلاة العصر لأن بطلان الجمع يمنع من تقديم الصلاة على وقتها .

والشرط الثاني : أن ينوي الجمع بينهما في الأولى منهما .

وقال المزني : هذا الشرط غير معتبر والنية في الجمع غير واجبة ، وإنما يعتبر قرب الفصل بينهما ، قال : لأن السفر يرفع نية الجمع ، ويقطع حكم الصلاة فلم يكن لتقديم النية وجها يصح اعتباره ، قال : ولأن سجود السهو مع كونه جبرا للصلاة لو سها عن الإتيان به قبل السلام كان المعتبر فيه قرب الفصل ، ولم يفتقر إلى تقديم النية قبل السلام ، فلأن يكون ذلك في الجمع بين الصلاتين أولى .

[ ص: 396 ] وهذا الذي قاله غلط : ونية الجمع في الصلاة الأولى واجبة ، والدلالة على ذلك هو أن الصلاتين المجموعتين في وقت إحداهما في حكم الصلاة الواحدة ، بدلالة أنه إذا طال الفصل بينهما لم يجز الجمع ، والصلاة الواحدة لا بد من وجود النية في ابتدائها ، ولأنه لما لم يجز تأخير الصلاة عن وقتها مع إمكان فعلها في الحال إلا بنية الجمع كان تقديم الصلاة عن وقتها مع تعذر فعلها أولى بإيجاب نية الجمع لها . وإن شئت حررت ذلك قياسا فقلت : لأنهما صلاتان مجموعتان في وقت إحداهما فوجب أن لا تصح إلا بنية الجمع .

أصله : إذا جمع بينهما في وقت الثانية منهما .

فأما ما ذكره من رفع نية الجمع ، وانقطاع حكم الصلاة بالخروج منها فدعوى غير مدلول عليها ، ولا موافق على صحتها ، إنما يكون كذلك إذا لم يتعقبها ما يتعلق بها أو يشاركها في حكمها ، ألا تراه لو نسي من أركانها ركنا من ركوع ، وسجود أتى به ، ولم يكن السلام رافعا لحكمه . كذلك أيضا لا يكون السلام رافعا لنية الجمع ، وأما سجود السهو فإنما لم يفتقر إلى النية : لأنه قد أتى بالنية مع الإحرام ، لأنه ينوي الصلاة بفروضها ، ومسنونها ، وسجود السهو يدل على المسنون ، فلم يفتقر إلى نية مجردة ، لأن نية الصلاة قد تضمنته ، وليس كذلك الجمع بين الصلاتين .

فإذا تقرر أن نية الجمع في الصلاة واجبة ففي محلها قولان منصوصان :

أحدهما : مع الإحرام ، فإن نوى الجمع بعد إحرامه لم يجزه لأن الرخصة المتعلقة بالصلاة في السفر رخصتان : قصر وجمع ، فلما لم تجزئه نية القصر إلا مع الإحرام لم تجز نية الجمع إلا مع الإحرام ، وتحريره قياسا أن يقول : لأنها رخصة متعلقة بالصلاة في السفر ، فافتقرت إلى النية مع الإحرام كالقصر ، ولأن الجمع جمعان ، جمع هو تأخير الأولى إلى الثانية ، وجمع هو تقديم الثانية إلى الأولى ، فلما وجبت نية أحد الجمعين مع التأخير اقتضى أن تجب نية الجمع الثاني مع التقديم .

والقول الثاني : أنه إن نوى بعد إحرامه وقبل سلامه أجزأه ، لأن الجمع هو الضم والمتابعة ، ووقت الضم حال السلام ، فلما جاز أن ينوي الجمع في غير وقت الضم وهو وقت الإحرام ، كان يجزئه إذا نوى الجمع في وقت الضم ، وحين الفراغ أولى . ولا يلزم عليه إذا نوى بعد الفراغ من الأولى ، لأنه ليس بوقت الضم ليقضي الأولى بالفراغ منها ، فلا يكون جامعا بينهما ، فهذا توجيه القولين في محل النية .

والشرط الثالث : الاتصال والموالاة من غير أن يتراخى فعل الثانية منهما عن فعل الأولى ليصح الضم ، والمتابعة ، وإن تراخى فعل الثانية ، أو تطاول ، أو تنفل بينهما ، أو أذن بطل الجمع ، وأجزأته الأولى ، ولم تجزه الثانية ، ووجب عليه تأخيرها إلى وقتها ، ولكن لو أقام بينهما [ ص: 397 ] جاز لأن الإقامة عمل يسير ، فلو كان متيمما وجب عليه طلب الماء بعد فراغه من الأولى ، فإن قرب عليه زمان الطلب جاز له الجمع ، وإن تطاول بطل الجمع .

التالي السابق


الخدمات العلمية