الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة في غير خوف ، ولا سفر . قال مالك : أرى ذلك في مطر . ( قال الشافعي ) : والسنة في المطر كالسنة في السفر ( قال المزني ) : والقياس عندي إن سلم ، ولم ينو الجمع ، فجمع في قرب ما سلم بقدر ما لو أراد الجمع كان ذلك فصلا قريبا بينهما أن له الجمع لأنه لا يكون جمع الصلاتين إلا وبينهما انفصال ، فكذلك كل جمع ، وكذلك كل من سها فسلم من اثنتين فلم يطل فصل ما بينهما أنه يتم كما أتم النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد فصل ، ولم يكن ذلك قطعا لاتصال الصلاة في الحكم ، فكذلك عندي إيصال جمع الصلاتين أن لا يكون التفريق بينهما إلا بمقدار ما لا يطول " .

قال الماوردي : وهذا كما قال .

الجمع بين الصلاتين في الحضر في حال المطر جائز ، وهو قول مالك .

وقال أبو حنيفة : الجمع في الحضر غير جائز تعلقا بما استدل به على بطلان الجمع في السفر .

والدلالة على جوازه في الحضر : رواية الشافعي ، عن مالك ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء جميعا من غير خوف ، ولا سفرقال مالك : أرى ذلك في المطر .

وروى موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر ، والعصر في الحضر في المطر .

فإن قيل : فقد روي أنه جمع بالمدينة من غير خوف ، ولا سفر ، ولا مطر .

قيل : يجوز أن يكون صلى الأولى في آخر أوقاتها ، وصلى الثانية في أول أوقاتها .

فاتصل فعلهما في وقتيهما جميعا ، فقيل : جمع .

فإن قيل : فهذا التأويل يرجع عليكم فيما رويتم من جمعه في المطر ، قيل : لا يصح هذا التأويل لما استدللنا به من الجمع في المطر لما روي من نقل السبب في جواز جمعه ، وهو المطر ، والمطر لا يختص بجواز فعل الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها ، بل يجوز ذلك في المطر ، وغيره على أن هذا التأويل ساغ لنا في روايتهم : لأن الإجماع يمنع من جواز الجمع في الحضر في غير المطر فتأولنا بهذا استعمالا للرواية ، وليسر الإجماع مانعا من [ ص: 398 ] جواز الجمع في المطر ، فلم يسغ استعمال هذا التأويل في روايتنا على أنه لا يجوز أن يكون معنى قول الراوي : ولا مطر . أبى لا يصيبه المطر لكونه مستظلا تحت سقف .

فإذا وضح ما ذكرناه من جواز الجمع في المطر : فيجوز الجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء . وقال مالك : يجوز الجمع في المطر بين صلاة المغرب والعشاء ، ولا يجوز الجمع بين الظهر والعصر لإدراك المشقة في مطر الليل ، وعدمها في مطر النهار ، وهذا غلط ، يوضحه رواية ابن عباس ، وابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في الحضر ، وفي المطر ، ولأنهما صلاتان يجوز الجمع بينهما في السفر ، فجاز الجمع بينهما في الحضر كالمغرب والعشاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية