الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : يشتمل على فروع من كتاب الأسارى والغلول

وإذا سبى الحربي جارية لمسلم ، فأولدها في دار الحرب أولا ثم غنمها المسلمون لم يملكوها ، وكان مالكها من المسلمين أحق بها وبأولادها .

ولو أسلم الحربي وهي معه وأولادها لم يملكها : لأنها ملك لمسلم غلب عليها بغير حق .

فأما قيمة أولادها ، ومهر مثلها ، فمعتبر بحال إيلاده لها ، فإن كان قبل إسلامه ، فلا قيمة عليه لأولادها ، ولا مهر لها عليه : لأن ذلك استهلاك منه في حال كفره ، وما استهلكه الحربي على المسلمين هدر .

وإن أولدها بعد إسلامه كان عليه قيمة أولادها ، ومهر مثلها : لأنه أولدها بشبهة ملك ، فلحقوا به ، وعتقوا عليه ، وهو مسلم ، فلا ينهدر ما استهلكه كالمسلم .

فرع : ولو دخل مسلم دار الحرب ، فدفع إليه أهلها مالا ليشتري لهم به متاعا من بلاد الإسلام ، فللمال أمان إذا دخل به المسلم ، وإن لم يكن لمالكه أمان : لأن استئمانهم له أمان منه ، ولو خرج بالمال ذمي كان أمانه فاسدا ، فإن علم مالكه من أهل الحرب فساد أمانه كان المال مغنوما ، وإن لم يعلم فساد أمانه كان محروسا عليه حتى يصل إليه ، وحال الصبي والمجنون إذا أمن أحدهما حربيا كان الأمان فاسدا ، وكان مستأمن الصبي والمجنون محقون الدم ، حتى يعود إلى مأمنه إن لم يعلم بفساد الأمان ، فإن علم به كان مباح الدم ، وخرج الربيع استئمان الذمي على المال على قولين ، وهو خطأ منه ، وحمله على هذا التفصيل أصح .

[ ص: 279 ] فرع : ولو أسلم عبد لحربي في دار الحرب ، وخرج إلينا عتق ، ولو أقام في دار الحرب كان على رقه ، فإن سبي العبد ملكه الغانمون : لأنه وإن كان مسلما فهو عبد لحربي .

والفرق بين أن يعتق إذا خرج إلى دار الإسلام أو لا يعتق إن أقام في دار الحرب أنه إذا خرج ، فقد قهر سيده على نفسه فعتق ، وإذا أقام لم يقهره عليها فرق ، ألا ترى أن العبد لو أسلم ، وغلب على سيده الحربي وأولاده ، وأزواجه ، ودخل دار الإسلام عتق ، وصاروا له رقيقا .

فرع : وإذا دخل الحربي دار الإسلام ، واشترى عبدا مسلما ، ودخل به دار الحرب ، فسبي العبد ، فهل يملكه غانموه أم لا ؟ على قولين على اختلاف قولي الشافعي في صحة ابتياع الكافر للعبد المسلم ، فإن قيل بصحة ملكه ، ملكه الغانمون ، وإن قيل بفساده لم يملكوه ، وكان باقيا على ملك سيده المسلم .

فرع : وإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان لم يكن له أن يستكمل مقام حول إلا ببذل الجزية ، وإن شرط الإمام عليه عند دخوله أنه إن أقام حولا أخذت منه الجزية ، فأقام حولا وجبت عليه الجزية ، ولو شرط عليه أنه إن أقام حولا جعل نفسه من أهل الذمة ، فاستكمل حولا لم يصر من أهل الذمة إلا باختياره .

والفرق بين المسألتين : أن الشرط في الأولى للإمام : فالتزمه الحربي بغير اختياره ، وفي الثانية للذمي فلم يلزمه إلا باختياره .

وسوى أبو حنيفة بينهما في اللزوم ، والفرق يمنع من استوائهما .

فرع : وإذا غزا صبيان لا بالغ فيهم ، أو نساء لا رجل بينهن ، أو عبيد لا حر معهم ، وغنموا أخذ الإمام خمس غنيمتهم ، وفي أربعة أخماسها وجهان أشار إليهما ابن أبي هريرة :

أحدهما : أن يقسم جميعه بينهم باسم الرضخ ، وإن كان في حكم السهام ، وليسوي بينهم فيه كأهل السهام .

والوجه الثاني : أنه يحبس بعضه عنهم بحسب ما يؤديه اجتهاده إليه ، لئلا يساووا فيه أهل السهام ، ويقسم الباقي بينهم بحسب ما يراه من مساواة وتفضيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية