الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - : " والصابئون والسامرة مثلهم يؤخذ من جميعهم الجزية ، ولا تؤخذ الجزية من أهل الأوثان ، ولا ممن عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب " .

قال الماوردي : أما الصابئة ، فطائفة تنضم إلى النصارى ، والسامرة طائفة تنضم إلى اليهود ، ولا يخلو حال انضمامهما إلى اليهود والنصارى من خمسة أقسام :

أحدها : أن نعلم أنهم يوافقون اليهود والنصارى في أصول دينهم ، وفروعه ، فيجوز أن يقروا بالجزية ، وتنكح نساؤهم ، وتؤكل ذبائحهم .

والقسم الثاني : أن يخالفوا اليهود والنصارى في أصول دينهم وفروعه ، فلا يجوز إقرارهم بالجزية ، ولا تستباح مناكحهم ، ولا تؤكل ذبائحهم كعبدة الأوثان .

والقسم الثالث : أن يوافقوا اليهود والنصارى في أصول دينهم ، ويخالفوهم في فروعه ، فيجوز أن يقروا بالجزية ، وتستباح مناكحهم ، وأكل ذبائحهم : لأن الأحكام تجري على أصول الأديان ، ولا يؤثر الاختلاف في فروعها كما لم يؤثر اختلاف المسلمين في فروع دينهم .

والقسم الرابع : أن يوافقوا اليهود والنصارى في فروع دينهم ، ويخالفوهم في أصوله ، فلا يجوز أن يقروا بالجزية ، ولا تستباح مناكحهم ، ولا أكل ذبائحهم تعليلا باعتبار الأصول في الدين .

والقسم الخامس : أن يشكل أمرهم ، ولا يعلم ما خالفوهم فيه ، ووافقوهم عليه من أصل وفرع ، فيقروا بالجزية حقنا لدمائهم ، ولا تنكح نساؤهم ، ولا تؤكل ذبائحهم تغليبا للحظر في الأمرين كالذي قلناه فيمن أشكل دخوله في اليهودية والنصرانية ، هل كان من المبدلين .

فإن أسلم اثنان من الصابئين والسامرة ، فشهدا بما وافقوا عليه اليهود والنصارى من أصل وفرع حكم بشهادتهما ، وأجري عليهم حكمها ، ولا يراعى في هذه الشهادة عدد التواتر ، ويراعى عدد التواتر فيمن ادعوا أن لهم كتابا غير التوراة والإنجيل : لأن هذا إخبار عن أصل دين مجهول ، فراعينا فيه خبر التواتر والاستفاضة ، ومعتقد الصابئين والسامرة دين معروف يعول في صفته على الشهادة فافترقا ، وقد قال ابن أبي هريرة : إن السامرة من نسل السامري ، وإنهم اعتزلوا عن اليهود بأن يقولوا لا مساس ، فإن كان هذا صحيحا فهم من بني إسرائيل يحل نكاح نسائهم ، وأكل ذبائحهم .

وقال أبو سعيد الإصطخري في الصابئين : إنهم يقولون : إن الملك حي ناطق وإن الكواكب السبعة آلهة ، واستفتي فيهم في أيام القاهر فأفتى ، فهم القاهر بقتلهم ، إن [ ص: 295 ] لم يسلموا ، فاستدفعوا القتل ببذل مال جزيل ، فإن كانوا على ما حكاه أبو سعيد فهم كعبدة الأوثان ، لا يجوز أن يقروا بالجزية ، ولا تستباح مناكحهم ، ولا يحل أكل ذبائحهم ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية