الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ومن بلغ وأمه نصرانية وأبوه مجوسي أو أمه مجوسية وأبوه نصراني فجزيته جزية أبيه : لأن الأب هو الذي عليه الجزية لست أنظر إلى غير ذلك " .

قال الماوردي : وجملته أنه إذا اختلف حكم أبوي الكافر في حكم كفرهما المتعدي عنهما إلى ولدهما تعلق باختلافهما أربعة أحكام :

أحدها : الجزية .

والثاني : النكاح والذبيحة .

والثالث : عقد الذمة .

والرابع : الدية .

فأما الحكم الأول : وهو الجزية ، فهو أن يكون أبوه نصرانيا له جزية ، وأمه يهودية لقومها جزية أخرى ، فجزية الولد جزية أبيه دون أمه سواء قلت جزية أبيه أو كثرت لأمرين :

أحدهما : أنه داخل في نسب أبيه دون أمه ، فدخل في جزيته دونها .

والثاني : أن الجزية على أبيه دون أمه ، فدخل في جزية من تجب عليه الجزية دون من لا تجب عليه .

وأما الحكم الثاني : وهو استباحة النكاح والذبيحة ، وهو أن يكون أحد أبويه يهوديا ، والآخر مجوسيا ، فينظر .

فإن كان أبوه مجوسيا وأمه نصرانية ، لم تحل ذبيحة الولد ، ولم ينكح إن كان امرأة تغليبا لحكم الحظر ، واعتبارا بلحوق النسب .

وإن كان أبوه نصرانيا وأمه مجوسية ، ففيه قولان :

أحدهما : يعتبر بأبيه واستباحة نكاحه ، وأكل ذبيحته ، تعليلا بلحوق النسب به .

والقول الثاني : يعتبر بأمه في حظر نكاحه ، وتحريم ذبيحته تعليلا لتغليب الحظر على الإباحة .

وأما الحكم الثالث : وهو عقد الذمة ، فهو أن يكون أحد أبويه كتابيا يقر بالجزية ، [ ص: 312 ] والآخر وثنيا لا يقر بالجزية ، فقد اختلف كلام أصحابنا فيه : لأن الشافعي عطف به على استباحة النكاح والذبيحة عطفا مرسلا ، فخرج عن اختلافهم فيه أربعة أوجه :

أحدها : أن يكون في ذمته ودينه ملحقا بأبيه دون أمه اعتبارا بنسبه ، فعلى هذا إن كان أبوه كتابيا ، فهو كتابي يقر بالجزية وإن كان وثنيا فهو وثني لا يقر بالجزية .

والوجه الثاني : أن يكون في دينه ملحقا بأمه دون أبيه اعتبارا بجزيته ورقه في لحوقه بأمه دون أبيه ، ولحدوثه عن اختلاف الدين ، فعلى هذا إن كانت أمه كتابية ، فهو كتابي يقر بالجزية ، وإن كانت وثنية ، فهو وثني لا يقر بالجزية .

والوجه الثالث : أن يلحق بأثبتهما دينا كما يلحق بالمسلم منهما دون الكافر ، فعلى هذا إن كان أبوه كتابيا وأمه وثنية ألحق بأبيه ، وجعل كتابيا يقر بالجزية ، وإن كانت أمه كتابية ، وأبوه وثنيا ألحق بأمه ، وجعل كتابيا يقر بالجزية .

والوجه الرابع : أن يلحق بأغلظهما كفرا : لأن التخفيف رخصة مستثناة ، فعلى هذا أيهما كان في دينه وثنيا ، فهو وثني لا يقر بالجزية سواء كان الوثني منهما أبا أو أما ، وهو ضد الوجه الثالث كما أن الوجه الثاني ضد الوجه الأول .

وأما الحكم الرابع : وهو الدية : إذا قتل ، فهو أن يكون أحد أبويه نصرانيا والآخر مجوسيا ، فهو ملحق في الدية بأكثر أبويه دية سواء كان أبا أو أما ، نص عليه الشافعي في الأم .

والفرق بين الدية والنسب من وجهين :

أحدهما : أن الدية لما اختلفت باختلاف الدين ، ولم تختلف باختلاف النسب ، وكان في الدين ملحقا بالمسلم منهما تغليظا كان في الدية ملحقا بأغلظهما دية .

والثاني : أن ما أوجب ضمان النفوس كان معتبرا بأغلظ الحكمين كالمحرم إذا قتل ما تولد من بين وحشي وأهلي ، أو مأكول ومحظور لزمه الجزاء تغليظا .

التالي السابق


الخدمات العلمية