الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولا يحدثوا في أمصار الإسلام كنيسة ولا مجمعا لصلاتهم ، ولا يظهروا فيها حمل خمر ولا إدخال خنزير " .

قال الماوردي : وهذا قد دخل في جملة القسم الثالث من منكراتهم ، فيمنعوا من إحداث البيع والكنائس في أمصار المسلمين ، لما روى مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال : لما صالح عمر بن الخطاب نصارى الشام كتب لهم كتابا ، فذكر فيه أنهم لا يبنون في بلادهم ، ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ، ولا صومعة راهب وأن لا يمنعوا [ ص: 321 ] المارة من المسلمين وأبناء السبيل ، وأن لا يجددوا ما خرب منها - ذكره أبو الوليد في المخرج على كتاب المزني ، ولأن إحداثها معصية ، لاجتماعهم فيها على إظهار الكفر ، ولذلك أبطلنا الوقوف على البيع والكنائس ، وعلى كتب التوراة والإنجيل ، ولأنهم يقتطعون ما بنوه من غير إظهار الإسلام فيها ، ويجب أن يكون الإسلام في دار الإسلام ظاهرا ، فلهذه الأمور الثلاثة منعوا .

فإذا تقرر أن حكم بلاد الإسلام موضوعة على هذا لم يخل حالهم من ثلاثة أقسام :

أحدها : ما أحياه المسلمون .

والثاني : ما فتحوه عنوة .

والثالث : ما فتحوه صلحا .

فأما القسم الأول : وهو ما ابتدأ المسلمون إنشاءه في بلاد الإسلام من موات لم يجر عليه ملك كالبصرة والكوفة ، فلا يجوز أن يصالح لأهل الذمة في نزولها على إحداث بيعة ولا كنيسة فيها : لأنه لا يجوز أن يصالحوا على ما يمنع منه الشرع ، ويكون خارجا من جملة صلحهم ، وإن تمسكوا فيه بعقد الصلح قيل لهم : إن رضيتم بإبطال هذا منه ، وإلا نقضنا عهدكم ، وبلغناكم مآمنكم ، ولا يبطل أمانهم بنقضنا بعهدهم لأننا نحن نقضناه بما منع الشرع منه .

فإن قيل : فقد نرى في هذه الأمصار بيعا وكنائس كالبصرة والكوفة وبغداد ، وهو مصر إسلامي بناه المنصور .

قلنا : إن علمنا أنها أحدثت وجب هدمها ، وإن علمنا أنها كانت قديمة في المصر قبل إنشائه لأن النصارى قد كانوا يبنون صوامع ، وديارات ، وبيعا في الصحاري ينقطعون إليها ، فتقر عليهم ، ولا تهدم ، وإن أشكل أمرها ، أقرت استصحابا ، لظاهر حالها .

التالي السابق


الخدمات العلمية