الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وأن يفرقوا بين هيئتهم في الملبس والمركب وبين هيئات المسلمين ، وأن يعقدوا الزنانير على أوساطهم "

قال الماوردي : أما الفرق بين أهل الذمة والمسلمين في هيئات الملبس والمركب ، فيؤخذون به في عقد ذمتهم مشروطا عليهم ، ليتميزوا به ، فيعرفوا ، ولا يتشبهوا بالمسلمين ، فيخفوا ، لما بينهم وبين المسلمين ، من افتراق الأحكام .

والفرق بينهم وبين المسلمين في الهيئات معتبر من ثلاثة أوجه :

أحدها : في ملابسهم .

والثاني : في أبدانهم .

[ ص: 326 ] والثالث : في مواكبهم .

فأما المعتبر في ملابسهم فالاختيار أن يجمع فيه بين أمرين :

أحدهما : لبس الغيار .

والثاني : شد الزنار .

فأما الغيار : فهو أن يغيروا لون ثوب واحد من ملابسهم لا يلبس المسلمون مثل لونه ، إما في عمائمهم ، وإما في قمصهم ، ويكونوا فيما سواه مثل ملابس المسلمين ، ويفرق بين غيار اليهود والنصارى ، ليتميزوا ، وعادة اليهود أن يكون غيارهم العسلي ، وهو المائل إلى الصفرة كالعسل ، وربما غيروا بنوع من الأزرق يخالف معهود الأزرق ، وغيار النصارى أن يكون غيارهم الأدكن ، وهو نوع من الفاختي ، وربما غيروا بنوع من الصوف .

وليست هذه الألوان شرطا لا يتجاوز إنما الاعتبار بلون متميز ، فإذا صار مألوفا منعوا من العدول عنه إلى غيره ، لئلا يقع الاشتباه والإشكال ، فإن تشابه اليهود والنصارى في لون الغيار جاز ، وإن كان تميزهم فيه أولى .

وأما الزنار فهو كالخيط المستغلظ يشدونه في أوساطهم فوق ثيابهم ، وأرديتهم ، ويمنعوا أن يستبدلوا بشد المناطق والمنديل : لأن المنطقة من لبس المتخصصين بالرتب من المسلمين ، والمناديل في الأوساط من لبس ذوي الصنائع من المسلمين ، فلم يتميز بها أهل الذمة ، وجميع الألوان من الزنانير سواء بخلاف الغيار : لأن أصل الزنار كالغيار .

فإن شرط على أهل الذمة أحد الأمرين في غيار أو زنار جاز : لأنهم يتميزون به ، وإن شرط عليهم الجمع بين الغيار والزنار أخذوا بهما معا : لأنه أبلغ في التميز من أحدهما .

فأما نساء أهل الذمة ، فيؤخذن بلبس الغيار في الخمار الظاهر الذي يشاهد ، ويلبسن خفين من لونين أحدهما : أسود ، والآخر : أحمر أو أبيض ، ليتميز نساؤهم عن نساء المسلمين ، ويؤخذن بشد الزنار دون الخمار ، لئلا تصفها بثيابها بعد أن يكون ظاهرا ، فإن اقتصر في النساء على التميز بأحدهما جاز ، وإن كان الجمع بين الثلاثة أولى ، فإن لبس أهل الذمة العمائم والطيالسة ، لم يمنعوا .

وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل : يمنعون من لبس العمائم والطيالسة : لأنها من أجمل ملابس المسلمين ، وهذا ليس بصحيح : لأن المقصود تميزهم عن المسلمين ، فإذا تميزوا بالغيار والزنار جاز أن يساووهم في صفات ملابسهم كما يساووهم في أنواع مأكلهم .

[ ص: 327 ] وأما لبس فاخر الديباج والحرير ، فلا يمنعون منه في منازلهم ، وفي منعهم منه ظاهرا وجهان :

أحدهما : يمنعون منه لما فيه من التطاول به على المسلمين .

والوجه الثاني : لا يمنعون منه كما لا يمنعون من فاخر الثياب القطن والكتان ، ولأنهم يصيرون متميزين بلبسه من المسلمين ، لتحريم لبسه عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية