الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما الفرق المعتبر في مراكبهم فمن وجهين :

أحدهما : في جنس المركوب .

والثاني : في صفة المركوب .

فأما جنس المركوب ، فيركبون البغال والحمير ، ويمنعون من ركوب الخيل [ ص: 328 ] عتاقا ، وهجانا لقول الله تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم [ الأنفال : 165 ] فأخبر بإعدادها لأوليائه في جهاد أعدائه .

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة ، يعني بالخير الغنيمة ، وهم المغنومون ، فلم يجز أن يصيروا بها غانمين .

وروي أنه قال : الخيل ظهورها عز وبطونها كنز

. وأما صفة المركوب ، فيختار أن يركبوا على الأكف عرضا لرواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد يأمرهم أن يختموا في رقاب أهل الذمة بالرصاص ، وأن يظهروا مناطقهم ، ويجزوا نواصيهم ، ويركبوا الأكف عرضا ، ولا يتشبهوا بالمسلمين في لبوسهم .

فأما الختم بالرصاص في رقابهم ، فقد ذكرناه ، وأما إظهار مناطقهم ، فهو شد الزنار في أوساطهم ، فوق ثيابهم ، وأما جز نواصيهم فهو ما ذكرنا من تحذيفهم في مقدم رءوسهم ، وأما ركوب الأكف عرضا فهو أن تكون رجلا الراكب إلى جانب ، وظهره إلى جانب ، فإن تجاوز الأكف إلى ضده بحمل الأثقال إلى السروج بما تميز من سروج المسلمين ، وكانت ركبهم فيها خشبا ، ولم تكن حديدا ، ويمنعون من تختم الفضة والذهب لما فيها من التطاول والمباهاة ، ولو وسمت بغالهم بما يتميز به عما للمسلمين كان أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية