الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : ولا يدخلوا مسجدا .

قال الماوردي : وهذا معتبر بعقد الذمة معهم ، فإن شرط فيه أن لا يدخلوا مسجد المسلمين منعوا من دخوله بحكم الشرط ، وإن أغفل شرطه عليهم منعوا من دخوله لأكل ومنام ، لما فيه من استبذالهم له ، وإن لم يمنع منه المسلم : لأن المسلم يعتقد تعظيمه دينا ، والمشرك يرى استبذاله دينا .

وأما دخولها لغير ذلك من سماع القرآن ، وما يعرض فيه من حاجة إلى مسلم ، فيجوز بإذن ويمنعون منه بغير إذن .

قال الله تعالى : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله [ التوبة : 6 ] . فدلت هذه الآية على إباحة الدخول بعد الإذن .

فإن قدمت وفود المشركين ، فالأولى أن ينزلهم الإمام في غير المساجد ، فإن أراد إنزالهم في المساجد اعتبرت حالهم .

فإن خيف منهم تنجيس المسجد منعوا من نزوله ، وإن أمن منهم تنجيسه نظر [ ص: 329 ] فيه ، إن لم يرج إسلامهم منعوا من نزوله صيانة له من الاستبذال ، وإن رجي إسلامهم عند سماع القرآن جاز إنزالهم فيه .

قد أنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد ثقيف في المسجد ، فكان سببا لإسلامهم ، وإسلام قومهم .

ولو دعت الضرورة فيمن لم يرج إسلامهم إلى إنزالهم في المسجد لتعذر ما ينزلون فيه ، مستكنين فيه من حر أو برد جاز لأجل الضرورة أن ينزلوا : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنزل سبي بني قريظة وبني النضير من ضرورة حتى أمر بهم ، فبيعوا . وربط ثمامة بن أثال الحنفي إلى سارية في مسجده .

فأما من يصح منه الإذن ، فلا يخلو أن يكون لمقام أو اجتياز ، فإن كان لمقام أكثر من ثلاثة أيام تزيد على مقام السفر لم يصح الإذن فيه إلا من سلطان ينفذ أمره في الدين أو يجتمع عليه أهل تلك الناحية من المسلمين ، ويكون الإذن مشروطا أن لا يستضر به أحد من المصلين .

وإن كان دخوله لاجتياز أو لبث يسير نظر في المسجد .

فإن كان من الجوامع التي لا يترتب الأئمة فيها إلا بإذن السلطان لم يصح الإذن في دخوله إلا من سلطان : لأنه لما اعتبر إذنه في إمامة الصلاة المفروضة ، كان أولى أن يعتبر فيما أبيح من دخول أهل الذمة .

وإن كان المسجد من مساجد القبائل والعشائر التي يترتب فيها أئمتها بغير إذن السلطان لم يعتبر إذن السلطان في دخوله .

وفي من يصح إذنه وجهان :

أحدهما : كل من صح أمانه لمشرك من رجل وامرأة ، وحر وعبد ، صح إذنه في المسجد : لأن حكم الأمان أغلظ .

الوجه الثاني : أنه لا يصح إلا إذن من كان من أهل الجهاد من الرجال الأحرار ، لما تعلق بهم حق الله تعالى ، والأول أظهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية