الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولا يترك أهل الحرب يدخلون بلاد الإسلام تجارا فإن دخلوا بغير أمان ولا رسالة غنموا " .

قال الماوردي : وهذا صحيح . يجب على الإمام أن يراعي ثغور المسلمين المتصلة بدار الحرب من دخول المشركين إليها : لأنهم لا يؤمنون عليها من غرة يظفرون بها أو مكيدة يوقعونها ، ومن دخلها منهم ، فهو حرب مغنوم يتحكم الإمام فيه بخياره من قتله أو استرقاقه أو فدائه أو المن عليه إلا في حالتين :

أحدهما : أن يكون رسولا للمشركين فيما يعود بمصلحة المسلمين من صلح يجدد أو هدنة تعقد أو فداء أسرى : لقول الله تعالى وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه [ التوبة : 6 ] .

قيل : إنها في المرسل فيكون له بالرسالة أمان على نفسه وماله ، لا يحتاج معها إلى استئناف أمان ، إلا أن يكون رسولا في وعيد وتهديد ، فلا يكون أمان ، ويكون حربا يفعل فيه الإمام ما يراه من الأمور الأربعة : لأن في هذه الرسالة مضرة ، وفي الأولى منفعة فصار بالمنفعة مواليا : فأمن ، وبالمضرة معاديا ، فغنم .

فلو ادعى وقد دخل بلاد الإسلام أنه رسول نظر في دعواه .

فإن علم صدقه فيها كان آمنا ، وإن علم كذبه فيها كان مغنوما ، وإن أشبهت حاله قبل قوله ، وكان آمنا ، ولم يلزم إحلافه على الرسالة : لأنه مبلغ ما على الرسول إلا البلاغ [ المائدة : 99 ] .

ولا يجوز إذا دخل الرسل بلاد الإسلام أن يظهروا فيها منكرا من صلبانهم ، وخمورهم ، وخنازيرهم ، وجوز لهم أبو حنيفة إظهار خمورهم وخنازيرهم : لأنها عنده من جملة أموالهم المضمونة الاستهلاك وهذا فاسد : لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - الإسلام يعلو ولا يعلى .

التالي السابق


الخدمات العلمية