الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 350 ] باب المهادنة على النظر للمسلمين ونقض ما لا يجوز من الصلح

مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " إن نزلت بالمسلمين نازلة بقوة عدو عليهم ، وأرجو أن لا ينزلها الله بهم ، هادنهم الإمام على النظر للمسلمين إلى مدة يرجو إليها القوة عليهم لا تجاوز مدة أهل الحديبية التي هادنهم عليها عليه الصلاة والسلام وهي عشر سنين " .

قال الماوردي : أما المهادنة ، فهي المسالمة والموادعة عن عهد يمنع من القتال والمنافرة ، وقد كان الله تعالى بعد فرض الجهاد منع منها بقوله فاقتلوا المشركين [ التوبة : 5 ] وجعل غاية أمرهم في قتلهم أن يسلموا ، فقال فإن تابوا الآية ، ثم إنه تعالى أمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية إن لم يسلموا فقال تعالى : قاتلوا الذين إلى قوله : وهم صاغرون [ التوبة : 29 ] فكان هذا بعد قوة الإسلام لكن بها تؤخذ جزيتهم ، ثم إن الله تعالى أذن في مهادنتهم ومسالمتهم عند الحاجة إليها ، فقال تعالى : وإن جنحوا للسلم فاجنح لها [ الأنفال : 61 ] .

وقال تعالى : إلا الذين عاهدتم إلى قوله : عهدهم إلى مدتهم [ التوبة : 4 ] فوادع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهود بني النضير وبني قريظة ، وبني قينقاع بالمدينة ليكفوا عن معونة المشركين ، ويكونوا عونا للمسلمين فكان ذلك من أول عهوده حتى نقضوا العهد ، فكان أول من نقض عهده منهم بنو قينقاع في معونة قريش يوم بدر ، فسار إليهم ، وأظفره الله بهم ، وأراد قتلهم ، فسأله عبد الله بن أبي ابن سلول فيهم ، وكانوا ثلاثمائة دارع وأربعمائة حاسر فنفاهم إلى أذرعات من الشام .

ثم نقض بنو النضير عهودهم بعد أحد : لأنهم هموا أن يفتكوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسار إليهم ، وأظفره الله بهم ، فأجلاهم إلى أرض خيبر .

ثم نقض بنو قريظة عهودهم بمعونة أبي سفيان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الخندق ، فسار إليهم فأظفره الله بهم وحكم سعد بن معاذ ، فحكم بسبي الذراري ، وقتل من جرت عليه المواسي ، فقتلهم ، وكانوا سبعمائة رجل .

ثم هادن قريشا عام الحديبية عشر سنين ، وفيه نزل قوله تعالى : إلا الذين [ ص: 351 ] عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم [ التوبة : 7 ] حتى نقضت قريش العهد بمعونة أحلافهم من بني بكر على قتال أحلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خزاعة ، فسار إليهم سنة ثمان حتى فتح مكة ، وكان صلح الحديبية سنة ست ، وعمرة القضية سنة سبع ، وكان هذا الصلح عظيم البركة أسلم بعده أكثر ممن أسلم قبله .

التالي السابق


الخدمات العلمية