الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : ونحن نبدأ بشرح ما تضمنته الآية من تفسير وفقه .

أما قوله تعالى : إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن [ الممتحنة : 10 ] ففيما يمتحن به وجهان :

أحدهما : بأن يشهدن بأن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .

والوجه الثاني : بما في السورة من قوله : ياأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا [ الممتحنة : 12 ] الآية ، ثم قال : الله أعلم بإيمانهن [ الممتحنة : 10 ] يعني بما في قلوبهن : لأن الامتحان يعلم به ظاهر إيمانهن ، والله يعلم ظاهره وباطنه ، ثم قال تعالى : فإن علمتموهن مؤمنات يعني بالامتحان ، فلا ترجعوهن إلى الكفار [ الممتحنة : 10 ] يعني تمنعوهن من الرجوع إلى الكفار من أهليهن وأزواجهن ، لا هن حل لهم [ الممتحنة : 10 ] يعني أن المسلمة لا تحل لكافر بحال ولا هم يحلون لهن [ الممتحنة : 15 ] فيه وجهان :

أحدهما : يعني أن الكفار لا يحلون للمسلمات بحال .

والوجه الثاني : يعني أن المسلم لا يحل له نكاح كافرة وثنية ، ولا مرتدة ، ثم قال تعالى : وآتوهم ما أنفقوا يعني مهورهن ، وفي من تدفع إليه مهورهن قولان :

أحدهما : وهو قول الشافعي أزواجهن دون غيرهم من أهليهن ، فعلى هذا يدفع ذلك إليهم إن كن قد أخذنه منهم ، ولا يدفع إن لم يأخذنه .

والقول الثاني : إلى كل طالب لهن من زوج وأهل وهو شاذ .

فعلى هذا يدفع إلى من كان مستحقا لطلبهن من زوج وأهل ، سواء أخذنه أو لم يأخذنه ، وهذا فاسد : لأنه قال : وآتوهم ما أنفقوا [ الممتحنة : 10 ] فلا يأخذ من لم ينفق ثم قال : ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن [ ص: 358 ] أجورهن [ الممتحنة : 10 ] يعني المؤمنات اللاتي جئن من دار الشرك مسلمات عن أزواج مشركين أباح الله تعالى نكاحهن للمسلمين إذا انقضت عددهن ، أو كن غير مدخول بهن .

وقوله : إذا آتيتموهن أجورهن يعني مهورهن ، وليس يريد بالإيتاء الدفع إلا أن يتضمنه العقد فيصير مستحقا ثم قال : ولا تمسكوا بعصم الكوافر [ الممتحنة : 10 ] يعني أن الكافر إذا أسلم عن زوجة وثنية لم يقم على نكاحها تمسكا بعصمتها إلا أن يسلم في عدتها ، وفي العصمة هاهنا وجهان :

أحدهما : الجمال .

والثاني : العقد ، ثم قال تعالى : واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا [ الممتحنة : 10 ] يعني أن المسلم إذا ارتدت زوجته ، فلحقت بأهل العهد رجع المسلم عليها بمهرها ، كما يرجع أهل العهد علينا بمهر من أسلم منهم ، ثم قال : وإن فاتكم شيء من أزواجكم يعني من ارتدت إلى الكفار ، وهي زوجة المسلم إذا ارتدت فلحقت بأهل العهد ، وفواتها أن تنقضي عدتها في الردة ، ثم قال : فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا [ الممتحنة : 11 ] فيه وجهان :

أحدهما : فعاقبتم المرتدة بالقتل ، فلزوجها أن يرجع بمهرها في غنائم المسلمين ، وهذا قول شاذ ذهب إليه بعض المتكلمين .

والوجه الثاني : يعني : فعاقبتم الذين لحقت المرتدة بهم من الكفار ، وفيما أريد بمعاقبتهم وجهان :

أحدهما : إصابة العاقبة منهم بالقتل والسبي والغنيمة : فيدفع من غنائمهم مهر من ارتد إليهم .

والوجه الثاني : أنه كما يوجب عليهم مهر من ارتد إليهم ، ووجب لهم مهر من أسلم أيضا جعل ذلك قصاصا تساويا ورد فعل إن زاد فيكون معنى عاقبتم أي تقاصصتم ، وهو على الوجه الأول من العقب .

التالي السابق


الخدمات العلمية