الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 379 ] باب نقض العهد

مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإذا نقض الذين عقدوا الصلح عليهم ، أو جماعة منهم فلم يخالفوا الناقض بقول ، أو فعل ظاهر ، أو اعتزال بلادهم ، أو يرسلون إلى الإمام أنهم على صلحهم : فللإمام غزوهم ، وقتل مقاتلتهم ، وسبي ذراريهم ، وغنيمة أموالهم ، وهكذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ببني قريظة عقد عليهم صاحبهم فنقض ، ولم يفارقوه ، وليس كلهم أشرك في المعونة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، ولكن كلهم لزم حصنه فلم يفارق الناقض إلا نفر منهم ، وأعان على خزاعة وهم في عقد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أنفار من قريش ، فشهدوا قتالهم : فغزا النبي - صلى الله عليه وسلم - قريشا عام الفتح بغدر ثلاثة نفر منهم ، وتركهم معونة خزاعة ، وإيوائهم من قاتلها " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا عقد الإمام الهدنة مع أهل الحرب كان عقدها موجبا لأمرين :

أحدهما : للموادعة ، وهي الكف عن المحاربة جهرا ، وعن الخيانة سرا ، قال الله تعالى : وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ، [ الأنفال : 58 ] .

والثاني : أن يشترك فيها الفريقان ، فيلتزم كل واحد منهما حكمهما ، ولا يختص بأحدهما : ليأمن كل واحد منهما صاحبه .

قال الله تعالى : إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم [ التوبة : 7 ] .

فإذا ثبت بهذين الشرطين : وجب الوفاء بها ، ولم يجز نقضها .

قال الله تعالى : ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود [ المائدة : 1 ] .

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنا أحق من وفى بذمته ، فإن نقض المشركون ارتفع حكم العقد ، وبطل أمانهم من المسلمين ، وصاروا بنقضه حربا قال الله تعالى : وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم [ التوبة : 12 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية