الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت جواز الاصطياد بجميعها ، فلا يخلو حال الصيد أن يدرك حيا أو ميتا ، فإن أدرك حيا قوي الحياة ، فلا اعتبار بصفة ما صاده من معلم أو غير معلم عن إرسال واسترسال ، وهو حلال إذا ذكي ، فإن فاتت ذكاته . حتى مات ، فهو حرام ، وإن أدرك الصيد ميتا اعتبر في إباحة أكله تكامل خمسة شروط إذا تكاملت حل ، وإذا لم تتكامل حرم :

أحدها : أن يسترسل الجارح عن أمر مرسله ، فإن استرسل بنفسه لم يحل أكله : لقول الله تعالى : فكلوا مما أمسكن عليكم فلم يحل ما أمسكه على نفسه .

والثاني : أن يكون المرسل مما تحل ذكاته ، فإن كان ممن لا تحل ذكاته حرم : لأن إرساله كالذكاة .

والثالث : أن لا يغيب عن عين مرسله ، فإن غاب عن عين مرسله لم يحل : لأنه قد يحدث بعد مغيبه ما يمنع من إباحته .

والرابع : أن لا يشركه في قتله من لا يحل صيده ، وإن شركه فيه لم يحل .

والخامس : أن يكون الجارح المرسل معلما : لقوله تعالى : تعلمونهن مما علمكم الله فإن كان غير معلم لم يحل .

[ ص: 7 ] وتعليمه يكون بأربعة شروط :

أحدها : أن يستشلي إذا أشلي ، وهو أن يرسل ، فيسترسل .

والثاني : أن يجيب إذا دعي ، وهو أن يعود إذا طلب ، ويزجر إذا زجره .

والثالث : أن يحبس ما أمسكه ، لا يأكله .

والرابع : أن يتكرر ذلك منه مرارا حتى تصير له عادة ، ولا يصير بالمرة والمرتين معلما .

قال الحسن البصري : يصير بالمرة الواحدة معلما .

وقال أبو حنيفة : يصير بالمرتين معلما : لأن الثانية من الإرسال فتصير عادة .

وهذا فاسد : لأن في تكامل التعليم غير مقنع في العرف : ولأنه لا يمتنع أن يكون بسبب امتناعه في الأولى موجودا في الثانية ، وإذا تكرر مع اختلاف أحواله زال : ولأن مقصود التعليم هو أن ينتقل عن طبعه إلى اختيار مرسله ، وهو لا ينتقل عنه إلا بالمرور عليه : فإن قيل : فقد عبر الشافعي عن إرساله بإشلائه ، وهذا خطأ في اللغة : لأنه يقال : أشليت كلبي إذا دعوته ، وأشليته إذا أرسلته ، واستعمل الإشلاء في ضد معناه فعنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أنه من أسماء الأضداد يجوز استعماله في الأمرين .

والثاني : أنه يستعمل في الدعاء وحده ، لكنه دعاه إلى الصيد ، فجاز أن يكون مشليا له ، كما لو دعاه إلى نفسه كما قال الشاعر :


أشليت غيري ومسحت عقبي

والثالث : أن الإشلاء هو الإغراء ، فبأي شيء أغراه كان مشليا له ، كما قال الشاعر :


صددت ولم يصددن خوفا لريبة     ولكن لإتلاف المحرش والمشلى

أي المغرى ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية