الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - تعالى : " وأي أبويه كان مجوسيا فلا أرى تؤكل ذبيحته . وقال في كتاب النكاح : ولا ينكح إن كانت جارية وليست كالصغيرة يسلم أحد أبويها : لأن الإسلام لا يشركه الشرك والشرك يشركه الشرك " .

قال الماوردي : قد ذكرنا أن ذبيحة المجوسي لا تحل ، وتحل ذبيحة أهل الكتاب في كل حيوان مباح .

وقال مالك : تحل لنا ذبائح أهل الكتاب في كل حيوان مما يستحلونه من البقر والغنم ، ولا تحل فيما لا يحلونه من الإبل : لأنهم يقصدون بذبحه الإتلاف دون الذكاة ، وهذا غلط : لقوله تعالى : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم [ المائدة : 5 ] يريد بالطعام : الذبيحة دون ما يستطعمونه : لأنهم يستطعمون الخنزير ، ولا يحل لنا .

ولأن ما حل بذبيحة المسلم حل بذبيحة الكتابي ، كالبقر والغنم طردا ، وكالبغال والحمير عكسا .

وإذا كان هذا أصلا مقررا ، وقياسا مستمرا ، فاختلف أبوا الكافر ، فحلت ذبيحة أحدهما ، ولم تحل ذبيحة الآخر بأن يكون أحدهما يهوديا والآخر مجوسيا نظر :

فإن كان أبوه مجوسيا وأمه يهودية فلا تحل ذبيحته لوجهين :

أحدهما : أن نسبه يلحق بأبيه ، فكان حمله حمل أبيه .

والثاني : أن الحظر والإباحة إذا اجتمعا يغلب حكم الحظر على الإباحة .

وإن كان أبوه يهوديا وأمه مجوسية ، ففي إباحة ذبيحته قولان :

أحدهما : تحل ذبيحته تعليلا بأنه يرجع إلى أبيه في نسبه .

[ ص: 25 ] والقول الثاني : لا تحل ذبيحته تعليلا بأن اجتماع الحظر والإباحة يوجب تغليب الحظر على الإباحة ، كالمتولد من حمار وحشي وحمار أهلي .

وقال أبو حنيفة : إن كان أحدهما كتابيا حلت ذبيحته سواء كان الكتابي منهما أباه وأمه ، كما لو كان أحد أبويه مسلما . والآخر مجوسيا ، ولا يوجب تغليب الحظر على الإباحة : كما لم يغلب الحظر في إسلام أحد أبويه ، وهذا فاسد من وجهين :

أحدهما : أنه لما غلب في النكاح حكم الحظر على الإباحة في ولد الكافر ، وإن لم يغلب حكم الحظر إذا كان أحدهما مسلما وجب حكم الذبيحة بمثابته .

والثاني : وهو ما علل به الشافعي أن الإسلام لا يشركه الشرك والشرك يشركه الشرك ، وبيانه أن الإسلام والشرك لا يجتمعان ، ويرتفع الشرك بقوة الإسلام : لقول الله تعالى : بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولقول النبي : - صلى الله عليه وسلم - الإسلام يعلو ولا يعلى .

وإذا كان أحد أبويه مسلما ، والآخر مشركا ، غلبه حكم الإسلام على حكم الشرك ، ويجتمع الشرطان : لأنهما باطلان ، فلم يرتفع حكم أحدهما بالآخر ، وإذا لم يرتفع حكما أحدهما وجب أن يغلب الحظر منهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية