الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - تعالى : " وقال صلى الله عليه وسلم : ما أنهر الدم وذكر اسم الله [ ص: 28 ] عليه فكلوه إلا ما كان من سن أو ظفر لأن السن عظم من الإنسان والظفر مدى الحبش ، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جعل ذكاة الإنسي مثل ذكاة الوحشي إذا امتنع قال : ولما كان الوحشي يحل بالعقر ما كان ممتنعا فإذا قدر عليه لم يحل إلا بما يحل به الإنسي كان كذلك الإنسي إذا صار كالوحشي ممتنعا حل بما يحل به الوحشي " .

قال الماوردي : اعلم أن الذكاة تجوز بالحديد ، وبما صار في اللحم مور الحديد ، فذبح بحده لانتثله من محدد الخشب ، والقصب ، والزجاج ، والحجارة إلا أن يكون سنا أو ظفرا ، فلا تجوز الذكاة به ، وإن قطع بحده متصلا كان أو منفصلا ، وسواء كان من إنسان أو سبع ، وأجاز أبو حنيفة الذكاة به إذا كان منفصلا : ولم يجزها به إذا كان متصلا : احتجاجا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ما أنهر الدم وفرى الأوداج ، فكل ، فكان على عمومه : ولأنه آلة يمكن الذبح بها ، فحلت ذكاتها كالحديد : ولأنها ذكاة منع منها لمعنى في الآلة ، فحلت كالسكين المغصوبة ، وفرق بين المتصل والمنفصل بأن المتصل يرض بثقله ، والمنفصل يشق بحده .

ودليلنا : ما رواه الشافعي بإسناده عن رافع بن خديج أنه قال : قلت : يا رسول الله إنا لاقو العدو غدا ، وليس معنا مدى أفنذكي بالليط ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه ، فكلوا إلا بما كان من سن أو ظفر : فإن السن عظم من الإنسان والظفر مدى الحبشة .

فاستثناهما من الإباحة ، فدخلا في التحريم ، وصار عموم أوله مخصوصا بآخره : ولأنه ذبح بعظم ، فوجب أن لا يحل كالمتصل : ولأن ما لم تحل الذكاة به إذا كان متصلا لم تحل الذكاة به إذا كان منفصلا كالشعر إذا حرق طردا والحديد إذا قطع عكسا : ولأنه في الاتصال أقوى وأمضى منه بعد الانفصال ، فلما لم تجز الذكاة به في أقوى حاليه ، كان بأن لا يجوز في أضعفهما أولى .

فأما الخبر ، فقد يخصه آخره .

وأما القياس على الحديد فيه جوابان :

أحدهما : بطلانه بالمتصل .

والثاني : أن نص السنة يدفعه .

وأما القياس على السكين المغصوبة ، فعنه جوابان :

أحدهما : أن المنع من السن في حق الله ، فصار كذبح ما لا يؤكل .

والمنع من السكين المغصوبة في حق الآدميين ، فصار كذبح الشاة المغصوبة .

والثاني : أن الذبح بالسن مختص بالذكاة : لجواز استعماله في غيرها ، والمنع من [ ص: 29 ] السكين المغصوبة غير مختص بالذكاة لتحريمها فيها وفي غيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية