الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا تقرر توجيه القولين في جواز الصلاة بإمامين ، فلا يخلو حال الصلاة التي أحدث الإمام فيها من أحد أمرين : إما أن تكون صلاة الجمعة أو غيرها فإن كانت صلاة الجمعة : وهي مسألة الكتاب فإن قلنا : إن الاستخلاف في الصلاة لا يجوز . لم يخل حدث الإمام من أحد أمرين : إما أن يكون في الركعة الأولى أو في الثانية . فإن كان حدثه في الركعة الأولى : بنوا على الظهر ، لا يختلف مذهب الشافعي وسائر أصحابنا . وإن كان في الركعة الثانية : فمذهب الشافعي أنهم يبنون على الظهر ، لإخلالهم باستدامة الجماعة التي هي شرط في صحة الجمعة ، وعلى قياس مذهب المزني في مسألة الانفضاض يبنون على الجمعة .

فإذا قلنا : يجوز الاستخلاف في الصلاة ، فلا يجوز أن يستخلف من أحرم بعد حدثه لا يختلف : لأنه لم يعلق صلاته بصلاته ، وإنما يستخلف من أحرم قبل حدثه ، ثم لا يخلو حدث الإمام من أحد أمرين : إما أن يكون في الركعة الأولى أو في الثانية .

فإن كان في الركعة الأولى : جاز أن يستخلف من أحرم قبل حدثه ، سواء كان قد أدرك معه الإحرام أو الركوع ، ويبني هذا الإمام المستخلف . ومن خلفه من المأمومين على الجمعة .

فإن كان حدثه في الركعة الثانية : لم تخل حاله من أحد أمرين : إما أن يكون حدثه قبل الركوع أو بعده . فإن كان قبل الركوع : جاز أن يستخلف من أحرم قبل حدثه ، سواء أدرك معه الركعة الأولى أم لا ، ويبني هو ومن خلفه من المأمومين على الجمعة : لأنه قد يدرك معهم منها ركعة . وإن أحدث بعد الركوع من الثانية : فإن استخلف من أدرك معه [ ص: 422 ] الركعة الأولى أو أدرك معه الركوع من الثانية جاز ، وبنى هذا المستخلف ومن خلفه من المأمومين على الجمعة .

وإن استخلف من أحرم معه بعد ركوعه في الثانية وقبل حدثه : فقد اختلف أصحابنا في جواز استخلافه فقال بعض البغداديين : لا يجوز : لأنه لا يكون مدركا للجمعة . وقال آخرون : وهو قول الأكثرين إن استخلافه جائز وإن لم يدرك معه ركوع الثانية .

ولعل هذا الاختلاف مبني على قول الشافعي في جواز صلاة الجمعة خلف الصبي الذي تصح له الجمعة .

وإذا استخلفه بنى هذا الإمام على الظهر ، ويتم صلاته أربعا ، وبنى المأمومون على الجمعة ، وكانوا بالخيار بين أن ينتظروه لتكمل صلاته ثم يسلم بهم ، وبين أن يقدموا رجلا يسلم بهم ، وبين أن يسلموا لأنفسهم .

فصل : فأما إن كانت الصلاة فرضا غير الجمعة : جاز أن يستخلف فيها من أحرم بعد حدثه ، والفرق بينها وبين الجمعة : أنه لما صح أداء الفرض منفردا صح استخلافه من لم يعلق صلاته بصلاته ، ولما لم يصح أداء الفرض منفردا لم يصح استخلافه من لم يعلق صلاته بصلاته .

فإذا ثبت هذا نظر في حدث الإمام : فإن كان في الركعة الأولى قبل أن يركع فيها : فاستخلف من أحرم قبل حدثه أو بعده جاز . وإن كان حدثه في الركعة الثانية أو بعد ركوعه في الأولى : فإن استخلف من أحرم بعد حدثه لم يجز . والفرق بين أن يستخلف من أحرم بعد حدثه في الركعة الأولى فيجوز وفي الركعة الثانية فلا يجوز هو : أن هذا المحرم بعد حدثه يبني على صلاة نفسه لا على صلاة الأول ، وإذا كان ذلك في الركعة الأولى فقد اتفق فعله وفعل الإمام المحدث فجاز استخلافه ، وإذا كان في الركعة الثانية وبنى على فعل نفسه فإنه خالف فعل الإمام المحدث : لأنها له أولى ، فلذلك لم نجزه .

أو كان قد أحرم قبل حدثه بنى على صلاة المحدث فجلس في موضع جلوسه وقام في موضع قيامه فجاز استخلافه .

التالي السابق


الخدمات العلمية