الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - تعالى : " ولو رماه الأول بهذه الحال فقتله ضمن قيمته للثاني لأنه صار له دونه " قال المزني - رحمه الله - : ينبغي أن يكون قيمته مجروحا الجرحين الأولين في قياس قوله " .

قال الماوردي : وصورتها في رجل رمى صيدا فجرح ، ولم يثبته ، ورمى آخر فجرحه وأثبته ، وعاد الأول فجرحه ، ومات ، فقد صار ملكا للثاني بإثباته ، وعلى الأول ضمانه للثاني بجراحته الثانية ، تعليلا بما قدمناه من الأصول المقررة ، وإذا صار في ضمان الأول لم يخل حال جراحته الثانية من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون موجية في الحلق واللبة ، فعليها أرشها ، وما بين قيمته حيا مجروحا ، وما بين قيمته مذبوحا .

والحال الثانية : أن تكون جراحته موجية في غير الحلق واللبة ، فعليه جميع قيمته مجروحا جرحين : لأنه أفسد لحمه .

والحال الثالثة : أن تكون جراحة غير موجية ، فهل يضمن جميع قيمته ، أو يضمن قسطا منها ؟ على ما ذكرنا من الوجوه الأربعة ، فإن ضمناه جميع قيمته صار كالتوجية يضمن قيمته حيا مجروحا جرحين ، فإن ضمناه قسطه منها كانت الجراحة الأولى هدرا : لأنها في حال الامتناع والإباحة ، وهل تعتبر في فوات النفس أو لا ؟ على وجهين :

أحدهما : أنها غير معتبرة فيه ، ويعتبر فوات النفس بالجراحة الثانية والثالثة بخروج الأولى عن ضمانه في ملك ، فيجب عليه نصف القيمة .

والوجه الثاني : هو أصح ، أنها معتبرة في فوات النفس بسرايتها إلى النفس مع غيرها ، وإن خالفت حكم غيرها ، فعلى هذا ، هل تنفرد بحكمها في سقوط الضمان أو تكون مشاركة للثانية : لأنها من واحد على وجهين :

أحدهما : أنها تنفرد بحكمها عن الثالثة ، وإن كانتا من جارح واحد اعتبارا [ ص: 43 ] بالجراح دون الجارح ، فيصير موت الصيد من ثلاثة جراحات ، اختصت الثالثة منها بالضمان فأحيت ضمان ثلث القيمة .

والوجه الثاني : وهو أظهر أنها تكون مشاركة للجراحة الثالثة : لأنها من كل واحد اعتبارا بالجارح دون الجراح ، فعلى هذا يصير موت الصيد من جارحين أحدهما : غير ضامن ، وهو الثاني الذي أثبت الصيد بجراحته ، وصار في ملكه ، ومن الجارح الثاني الذي جرحه في الأول ، ولم يثبته الجراحة الثانية بعد ما أثبته الجارح الثاني : وجرحه في ملكه ، ونصف فعله غير مضمون : لأن الجراحة الأولى كانت في حال الإباحة ، والامتناع ونصف فعله مضمون ، وهو جراحة الثانية للصيد بعد ما صار الصيد ممتنعا بجراحة الجارح الثاني ، وصار في ملكه وروح الصيد قد خرجت بثلاث جراحات : بجراحة من مالك الصيد بإثباته ، وبملكه ، وبجراحته من الجارح الآخر أحد جراحته غير مضمون ، وهو الجراحة الأولى ، وجراحة الثانية مضمونة ، وهي الجراحة التي وصلت بعدما ملك الصيد الجارح الثاني بإثباته ، والجارح الذي ملك الصيد لا يضمن جراحته ، وسقط نصف قيمة الصيد : لأنه أحد الجارحين فأما الجارح الآخر فقد جرح جراحتين ، إحداهما : غير مضمونة ، وهي الجراحة الأولى فسقط عنه ربع القيمة : ويضمن الجراحة الثانية التي بعد جراحة المالك بإثباته الصيد بجراحته ، فيضمن بالجراحة الثانية الجارح الأول ربع قيمته ، فصار هذا الصيد مضمونا بربع قيمته ، على ما بيناه .

ومثاله : رجلان جرحا مرتدا ، فأسلم ، ثم جرحه أحدهما بعد إسلامه ، فمات من سراية الجراحات كلها ضمن ربع ديته : لأنه مات من جارحين :

أحدهما : جرحه هدر ، فلم يضمن الآخر ، نصفه هدر ، ونصفه مضمون ، فضمن ربع الدية ، فيصير فيما يضمنه الأول بجراحته الثانية أربعة أوجه :

أحدهما : جميع القيمة .

والثاني : نصفها .

والثالث : ثلثها .

والرابع : ربعها .

ويجري العمل في ضمان كل مقدار منهما على ما قدمناه في الوجوه الخمسة .

التالي السابق


الخدمات العلمية