فصل : وأما الضرب الثاني ، وهو أن  
يعلم المتقدم بالرمي وتشكل صفة الرمي  ، فهي مسألة الكتاب .  
وصورتها : أن يعرف الأول والثاني ، ويشكل هل أثبته الأول أو الثاني ؟ فيرجع فيه إلى الاستدلال بالظاهر ، فأول الاستدلال بالظاهر أن يعتبر حال وقوفه ، فإن وقف عند رمية الأول ، فالظاهر أن الأول أثبته دون الثاني .  
وإن وقف عن رمية الثاني ، فالظاهر أن الثاني أثبته دون الأول ، وإن لم يكن في اعتبار الوقوف بيان اعتبر بعده صفة الرمي ، فإن كانت الأولى في مقتل ، والثانية في غير مقتل ، فالظاهر أن الأول أثبته دون الثاني ، وإن كانت الأولى في غير مقتل ، والثانية في مقتل ، فالظاهر أن الثاني أثبته دون الأول ، وإن كانت الأولى في مقتل ، والثانية في مقتل ، فالظاهر أن الأول أثبته دون الثاني ، وإن كانت الأولى في غير مقتل ، والثانية في غير مقتل ، فهي حالة إشكال : لترددها بين إثبات الأول والثاني ، وهما في الجواز على سواء ، وقد انتفى الإشكال عما تقدمه في الحكم بالظاهر ، فإن أضيف إلى إثبات الأول كان هو المالك ، وصار الثاني جارحا تعتبر صفة جراحته في الأكل ، والغرم ، وإن أضيف إلى إثبات الثاني كان هو المالك ، وتكون جراحته ذكاة سواء كانت في محل الذكاة أو غيرها ، وكانت جراحة الأول هدرا : لتقدمها على ملك الثاني وإن لم تضف إلى إثبات أحدهما : لبقاء الإشكال تعلق بإشكاله حكمان :  
أحدهما : في الملك .  
والثاني : في إباحة الأكل .  
فأما الملك ، فقد نص  
الشافعي   هاهنا أنه يكون بينهما نصفين ، فاختلف أصحابنا فيه على وجهين :  
أحدهما : أنه يكون بينهما اعتبارا بالظاهر من نصه ، وتعليلا بتكافئهما فيه بالاحتمال .  
والوجه الثاني : وهو أظهر أنه يكون للثاني منهما : لأننا على يقين من إثباته في رمية الثاني ، وفي شك من إثباته برمية الأول ، توجب أن يكون ملحقا باليقين دون الشك ولمن قال بهذا عن نص  
الشافعي   جوابان :   
[ ص: 47 ] أحدهما : أنه محمول على الإشكال في الراميين في التقدم ، فيكون بينهما نصفين ، فأما مع معرفة المتقدم منهما ، فيكون للثاني ، ولا يشتركان فيه تعليلا بما قدمناه .  
والجواب الثاني : أنه محمول على الشك في التقدم والاجتماع ، فيكون بينهما لجواز اجتماعهما ، وكلام  
الشافعي   يدفع هذا الجواب ، والأول أشبه .  
وأما إباحته الأكل ، فلم يصرح فيه  
الشافعي   هاهنا بشيء ، وإن كان فحوى كلامه من جعله بينهما دليلا على إباحته ، فاختلف أصحابنا فيه على أربعة أوجه :  
أحدها : وهو قول  
أبي إسحاق المروزي   أنه مباح الأكل : لأنه على أصل الامتناع ، فصار على أصل الإباحة ، وهذا تعليل في جعله ملكا للثاني ، ولم يشتركا فيه .  
والوجه الثاني : وهو قول  
أبي علي بن أبي هريرة   أنه محرم الأكل : لأنه يجوز أن يثبته الأول ، فيحرم برمي الثاني ، ويجوز أن يثبته الثاني فيحل ، فصار مترددا بين حظر وإباحة ، فغلب حكم الحظر على الإباحة .  
والوجه الثالث : أن يقارب بين رمية الأول ، ورمية الثاني حل أكله ، وإن تطاول ما بينهما حرم : لأن الذكاة لا تدرك في قريب الزمان ، وتدرك في طويله .  
والوجه الرابع : إن كانت الرمية الأولى لا يثبت الصيد بمثلها في الغالب حل أكله اعتبارا بالغالب في امتناعه وإثباته .