الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - تعالى : " ولو رمى شخصا يحسبه حجرا فأصاب صيدا فلو أكله ما رأيته محرما كما لو أخطأ شاة فذبحها لا يريدها وكما لو ذبحها وهو يراها خشبة لينة " .

قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا رأى شخصا ، فظنه حجرا أو شجرة ، فرماه بسهم ، فبان أنه صيد قتله حل أكله ، وكذلك لو رمى الشخص ، وهو يظنه إنسانا أو حيوانا غير مأكول من كلب أو خنزير ، فبان أنه صيد مأكول قتله حل أكله في هذه الأحوال كلها ، وبه قال أبو حنيفة ومالك : لا يؤكل في هذه الأحوال كلها .

وقال محمد بن الحسن : إن ظنه غير حيوان من شجر أو حجر ، فبان صيدا لم يحل أكله ، وإن ظنه حيوانا غير مأكول ، فبان مأكولا حل أكله ، وعلة إباحته عندنا مختلف فيها بين أصحابنا على وجهين :

أحدهما : أن العلة في إباحته قصده للفعل ، فكان ما حدث من فعله المقصود مباحا ، كما لو قصد ذبح شاة فذبحها ، وهو يحسبها غيرها ، حل أكلها كما لو قبض على شيء يحسبه خشبة لينة فقطعها فبان أنه حلق شاة قد ذبحها حل أكلها .

والوجه الثاني : وهو تعليل أبي إسحاق المروزي أن العلة في إباحته مباشرته للفعل دون القصد : لأن ذكاة الصبي والمجنون مباحة ، وإن لم يكن لهما قصد ، فكان التعليل بالمباشرة أولى من التعليل بالقصد ولا يعتبر بنية الذكاة على التعليلين جميعا ، [ ص: 53 ] ألا تراه لو أشار بالسكين إلى حلق شاة ليعبث بها ولا يذبحها ، فانذبحت بها حل أكلها ، وإن لم ينوه ، وتأثير اختلاف الوجهين في هذا التعليل يتحقق فيمن رمى إلى الهواء ، فسقط في علوه على صيد ، فقتله ، وفي إباحته وجهان :

أحدهما : غير مباح إذا علل بقصد الفعل .

والوجه الثاني : مباح إذا علل بمباشرة الفعل ، وهكذا لو كانت بيده سكين فسقطت على حلق شاة أو طائر ، فذبحته لم يحل أكله على الوجه الأول لأنه عن فعل غير مقصود وحل أكله على الوجه الثاني : لأنه عن مباشرة فعله .

التالي السابق


الخدمات العلمية