الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وأمر من أراد أن يضحي أن لا يمس من شعره شيئا اتباعا واختيارا بدلالة السنة ، وروت عائشة أنها كانت تفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يقلدها هو بيده ، ثم يبعث بها ، فلم يحرم عليه شيء أحله الله له حتى نحر الهدي . قال الشافعي - رحمه الله - : والأضحية سنة تطوع لا نحب تركها وإذ كانت غير فرض " .

قال الماوردي : وأصل هذا ما رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا [ ص: 74 ] دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره شيئا .

ورواه الترمذي ، قال أحمد بن الحكم البصري : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن مالك بن أنس ، عن عمرو بن مسلم ، عن ابن المسيب ، عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي ، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره قال : هو حديث حسن .

واختلف الفقهاء في العمل بهذا الحديث على ثلاثة مذاهب :

أحدها : - وهو مذهب الشافعي - أنه محمول على الاستحباب دون الإيجاب ، وأن من السنة لمن أراد أن يضحي أن يمتنع في عشر ذي الحجة من أخذ شعره وبشره ، فإن أخذ كره له ولم يحرم عليه .

وهو قول سعيد بن المسيب .

والمذهب الثاني : هو قول أحمد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه أنه محمول على الوجوب ، وأخذه لشعره وبشره حرام عليه : لظاهر الحديث وتشبيها بالمحرم .

والمذهب الثالث : - وهو قول أبي حنيفة ومالك - ليس بسنة ولا يكره أخذ شعره وبشره احتجاجا بأنه محل ، فلم يكره له أخذ شعره وبشره كغير المضحي ، ولأن من لم يحرم عليه الطيب واللباس لم يحرم عليه حلق الشعر كالمحل .

والدليل على أحمد وإسحاق : إنه مسنون وليس بواجب ، ما رواه الشافعي ، عن مالك عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " أنا فتلت قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي ، ثم قلدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء أحله الله له حتى نحر الهدي فكان هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضحاياه ، لأنه كان بالمدينة ، وأنفذها مع أبي بكر سنة تسع ، وحكمها أغلظ لسوقها إلى الحرم ، فلما لم يحرم على نفسه شيئا كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم ، ويدل على ذلك ما قدمناه من القياسين ، واستدلال أبي حنيفة علينا وهما في استدلال أبي حنيفة بهما مرفوعان بالنص ، ووجب استعمال الخبرين ، فنحمل الأمر به على السنة والاستحباب دون الإيجاب ، بدليل الخبر الآخر ، فلا يكون واحد منهما مطرحا .

التالي السابق


الخدمات العلمية