الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " قال ويجوز في الضحايا الجذع من الضأن والثني من الإبل والبقر والمعز لا يجوز دون هذا من السن " .

قال الماوردي : أما الضحايا فلا تجوز إلا من النعم لأمرين :

أحدهما : قول الله تعالى : أحلت لكم بهيمة الأنعام [ المائدة : 1 ] .

والثاني : أنه لما اختصت بوجوب الزكاة اختصت الأضحية ، لأنها قربة ، والنعم هي الإبل والبقر والغنم ، قال الشافعي : هم الأزواج الثمانية التي قال الله تعالى :

[ ص: 76 ] ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين [ الأنعام : 43 ] . يعني ذكرا وأنثى فاختص هذه الأزواج الثمانية من النعم بثلاثة أحكام :

أحدها : وجوب الزكاة فيها .

والثاني : اختصاص الأضاحي بها .

والثالث : إباحتها في الحرم والإحرام وفي تسميتها نعما وجهان :

أحدهما : لنعومة وطئها إذا مشت حتى لا يسمع لأقدامها وقع .

والثاني : لعموم النعمة فيها في كثرة الانتفاع بألبانها ونتاجها .

فإذا تقرر أن الضحايا بالإبل والبقر والغنم دون ما عداها من جميع الحيوان فأسنان ما يجوز في الضحايا منها معتبرة ولا يجزئ دونها ، وقد أجمعنا على أنه لا يجزئ ما دون الجذاع من جميعها ولا يلزم ما فوق الثنايا من جميعها ، واختلفوا في الجذاع والثنايا على ثلاثة :

أحدها : وهو قول عبد الله بن عمر والزهري أنه لا يجزئ منها إلا الثنايا من جميعها ولا يجزئ الجذع من الضأن كما لا يجزئ الجذع من المعز .

والمذهب الثاني : - وهو قول عطاء والأوزاعي - أنه يجزئ الجذع من جميعها حتى من الإبل والبقر والمعز كما يجزئ الجذع من الضأن .

والمذهب الثالث : وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك والجمهور من الفقهاء - أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا التي دون الجذع ، ويجزئ من الضأن وحده الجذع .

والدليل على ذلك ما رواه جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن .

فدل هذا الخبر على اعتبار المسن من غير الضأن والجذع من الضأن ، وليس ذلك شرطا في الاعتبار ، لما روى زيد بن خالد الجهني قال : قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه ضحايا فأعطاني عنزا ذا جذع فرجعت إليه فقلت : إنه جذع فقال : ضح به فضحيت به .

وروي عن سعيد بن المسيب عن عقبة بن عامر قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجذع من الضأن ، فقال : ضح به . وروى ابن عباس قال : جلبت غنما جذاعا إلى المدينة [ ص: 77 ] فكسدت علي ، فلقيت أبا هريرة ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : نعم الأضحية الجذع من الضأن ، قال : فانتهبها الناس والدليل على أن الجذع من المعز لا يجزئ ما رواه الشافعي عن سعيد بن المسيب عن ابن خباب عن يزيد عن البراء بن عازب قال : خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد ، فقال : إن أول نسك يومكم هذا الصلاة ، فقام إليه خاليأبو بردة ، فقال يا رسول الله ، كان يوما يشتهر فيه اللحم ، وإنا عجلنا فذبحنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبدلها ، قال : يا رسول الله إن عندنا ماعزا جذعا ، فقال : هي لك وليست لأحد بعدك .

فدل على أن الجذع من المعز لا يجزئ غيره ، وفي تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بردة بإجزائها عنه وجهان :

أحدهما : لأنه كان قبل استقرار الشرع فاستثني

والثاني : أنه علم من صدق طاعته وخلوص نيته ما ميزه عمن سواه .

واختلفوا هل كان ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اجتهاد رأيه أو عن وحي من الله تعالى ؟ على وجهين .

التالي السابق


الخدمات العلمية