الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : ولا أكره الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنها إيمان بالله . قال عليه الصلاة والسلام : أخبرني جبريل عن الله جل ذكره أنه قال : من صلى عليك صليت عليه [ ص: 96 ] قال الماوردي : أما الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الذبح ، فليست واجبة إجماعا ، ولا مكروهة عندنا ، واختلف أصحابنا في استحبابها على وجهين :

أحدهما : أشار إليه الشافعي في الأم أنها مستحبة .

والوجه الثاني : هو قول أبي علي بن أبي هريرة أنها غير مستحبة ولا مكروهة ، وكرهها مالك وأبو حنيفة احتجاجا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : موطنان لا أذكر فيهما عند الذبيحة والعطاس : ولأنه يسير بذكره مما أهل به لغير الله ، فوجب أن يكون مكروها ، ودليلنا قول الله تعالى : ورفعنا لك ذكرك [ الشرح : 4 ] قيل : معناه لا أذكر إلا ذكرت معي ، وقال تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي [ الأحزاب : 56 ] الآية ، فكان عند القرب بالذبائح أولى أن يكون مذكورا ، قال الشافعي : وخشيت أن يكون الشيطان أدخل على بعض أهل الجهالة أن كرهوا الصلاة عليه عند الذبيحة لموضع غفلتهم أو لا يرى ، لما رواه عبد الرحمن بن عوف قال : كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبقني ، فجئت فرأيته ساجدا ، فأقمت طويلا ، فلما رفع رأسه قلت : يا رسول الله لقد خشيت أن يكون الله قبض روحك في سجودك لما أطلت ، فقال : لما فارقتك لقيني جبريل ، فأخبرني عن الله تعالى أنه قال : من صلى عليك صليت عليه ، فسجدت شكرا لله وهذا يدل على استحباب الصلاة عليه فكيف يكره ، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رقي المنبر فقال : آمين ، فقيل له في ذلك ، قال : قال لي جبريل : رغم أنف من ذكرت بين يديه فلم يصل عليك ، فقلت آمين ، ثم الثانية فقال : آمين ، فقيل له في ذلك ، فقال : قال لي جبريل رغم أنف عبد أدرك أبويه أو أحدهما ، فلم يدخل الجنة فقلت آمين ، ثم رقي الثالثة فقال : آمين ، فقيل له في ذلك ، فقال : قال لي جبريل : رغم أنف عبد أدرك شهر رمضان فلم يغفر له ، فقلت : آمين .

ولأن الصلاة على الرسول إيمان بالمرسل ، فكيف يكون الإيمان مكروها ؟ فأما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم - موطنان لا أذكر فيهما ، فمن وجهين :

أحدهما : أنه ليس ينهى عن ذكره ، وإنما هو على وجه التنبيه على ذكره ، كأنه قال . لم لا أذكر فيهما .

والثاني : أنه لا يذكر فيهما على الوجه الذي يذكر الله تعالى فيه : لأن ذكره في الذبيحة أن يقصد بها وجهه في التقرب إليه ، ولا يجوز أن يذكر رسوله ، وذكره في العطاس حمد له وليس يحمد رسوله عنده ، والصلاة عليه في غير هذين الموضعين ، فلم يتوجه النهي إليها .

فأما الجواب عن قوله : إنه يصير مما أهل لغير الله به ، فهو أنه يصير بذبحه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أهل به لغير الله ، ولا يكون مما أهل به لله ، ومتى فعل هذا كان حراما .

[ ص: 97 ] فأما إذا صلى عنده على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه يكون مما أهل به لله ، ولا يكون مما أهل به لغير الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية