الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما جواز التنفل يوم الجمعة : فما لم يظهر الإمام ويجلس على المنبر ، فمستحب لمن ابتدأ دخول المسجد ، ولمن كان مقيما فيه أن يتنفل قبل الزوال وبعده .

فأما إذا جلس الإمام على المنبر فقد حرم على من في المسجد أن يبتدئ بصلاة النافلة ، وإن كان في صلاة خففها وجلس ، وهذا إجماع لقوله تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا [ الأعراف 204 ] فإنها نزلت في الخطبة ، فسمى الخطبة قرآنا ، لما يتضمنها من القرآن .

فأما من ابتدأ دخول المسجد في هذه الحالة ، والإمام على المنبر ، فالسنة عندنا أن يصلي ركعتين ، ولا يزيد عليهما تحية المسجد فيمن يجلس منه ، وقال أبو حنيفة ومالك : لا يجوز له أن يركع والإمام على المنبر تعلقا بقوله تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا [ الأعراف : 204 ] . والصلاة تضاد الإنصات ، وبما روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من دخل والإمام يخطب فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ .

قالوا : ولأنه معنى يمنع من استماع الخطبة ، فوجب أن يكون ممنوعا منه كالكلام . قالوا : ولأن كل من حضر الخطبة كان ممنوعا من الصلاة كالجالس إذا أتى بتحية المسجد .

ودليلنا : ما روى أبو ذر قال : دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ، فضرب بيده بين كتفي وقال لي : " إن لكل شيء تحية ، وتحية المسجد أن تصلي ركعتين إذا دخلت ، قم فصل فكان هذا على عمومه .

وروى أبو سفيان عن جابر بن عبد الله أن سليكا الغطفاني دخل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، فجلس فقال له : قم فاركع ركعتين تجوز فيهما .

وروى محمد بن المنكدر عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا جاء أحدكم يوم الجمعة ، والإمام يخطب فلا يقعد حتى يصلي ركعتين خفيفتين ثم يجلس .

وروي أن أبا سعيد الخدري دخل يوم الجمعة ومروان يخطب ، فقام ليركع ، فقام إليه [ ص: 430 ] الأحراس ، فأبى عليهم قائما ، فلما فرغ قيل له : إن القوم هموا بك ، فقال : ما كنت لأدعهما بعد شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروي عن الشافعي في هذا الخبر أنه قيل له : وما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، وعليه هيئة بذة ، وقد استتر بخرقة ، فقال : قم فاركع ، فلما صلى قال : تصدقوا عليه ، فألقوا الثياب ، فأعطاه منها ثوبين ، فلما كان في الجمعة الثانية حث الناس على الصدقة ، فتصدق الرجل بأحد ثوبيه فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : ألا ترون إلى هذا .

فإن قيل : إنما أمره بالصلاة ليتصدق الناس عليه إذا رأوه .

قيل : هذا فاسد بفعل راوي الحديث أبي سعيد ، ولأن الأمر بالصدقة لا يبيح فعل المحظور .

فأما استدلالهم بالآية فمخصوص ، وأما الحديث فمجهول ، وإن صح كان مخصوصا .

وأما قياسه على الجالس ، فالمعنى فيه أنه إنما أمر به من تحية المسجد . فإذا ثبت أن الداخل يأتي بتحية المسجد فلا فرق بين أن يكون الإمام في الخطبة الأولى أو الثانية ، فإذا دخل بعد فراغ الإمام من الخطبتين وقد أقيمت الصلاة لم يجز أن يركع ، لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية