الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر حكم الأكل والصدقة على هذه الوجوه الثلاثة فاقتصر منها على أحدها نظر ، فإن كان اقتصاره منها على الصدقة دون الأكل فأطعم ولم يأكل لم يضمن [ ص: 118 ] على الوجوه الثلاثة ، لأن من قال بوجوب الأكل نسبه في ترك الأكل إلى المأثم ، ولم يلزمه الغرم في حق نفسه لأن استحقاقه للأكل رفق به فخرج عن حكم الغرم لما فيه من الإجحاف به ، وإن كان اقتصاره على الأكل فأكل ، ولم يطعم فعلى قول أبي العباس لا ضمان عليه ، لأنه يجعل الإطعام مستحبا ، وعلى الوجهين الآخرين يكون ضامنا ، وهو الصحيح لما ذكرنا فعلى هذا في قدر ما يضمنه ثلاثة أوجه :

أحدها : - وهو مذهب أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة - يضمن جميعها بأكثر الأمرين من قيمتها أو مثلها ، لأنه لما عدل بأكلها عن حكم الضحايا صارت لحما ، وكان إيجاب الأضحية باقيا ، فلزمه أن يضحي فعلى هذا هل يجوز له أن يأكل من بدلها أم لا ؟ على وجهين مضيا .

والوجه الثاني : يضمن منها قدر الاستحباب فيما يتصدق به ولا يضمن جميعها ، لأنه قد أراق دمها على اسم الأضحية فلم يضمن منها إلا ما تعدى بأكله ، فضمن قدر الاستحباب احتياطا ، فعلى هذا في قدر الاستحباب قولان :

أحدهما : بالنصف ، وهو القديم .

والثاني : الثلث ، وهو الجديد ، ولا يجوز أن يأكل هذا البدل وجها واحدا ، لأنه بدل عما أكل والوجه الثالث يضمن قدر الإجزاء ، لأنه لو اقتصر عليه في الصدقة أجزأه ، فعلى هذا يضمن ما يخرج عن قدر التافه إلى ما جرى العرف أن يتصدق به منها من القليل الذي يؤدي الاجتهاد إليه ، ولا يجوز أن يأكل منه فصار في قدر ما يضمنه أربعة أوجه :

أحدها : الكل .

والثاني : النصف .

والثالث : الربع .

والرابع : المجزئ ، فإن ضمن الكل لزمه ذبحه في أيام النحر .

فإن أخره عنها مع القدرة حتى ذبحه بعدها ففي إجزائه وجهان :

أحدهما : لا يجزئه ، ويكون لحما مضمونا بمثل ثان كما لو أخر مثل الأضحية حتى ذبحها بعد أيام النحر .

والوجه الثاني : أنه يجزئ ، لأن إراقة دم الأضحية في أيام النحر قد حصل بما أكل ، وإنما هذا بدل من الإطعام دون الإراقة ، فجاز في غير أيام النحر وأن ضمناه بعضها ولم نضمنه جميعها لم يجز أن يتصدق بما ضمنه ورقا ، لأن حقوق الفقراء في الأكل [ ص: 119 ] دون القيمة ، كما لا يجوز : أن يفرق ثمن الأضحية ورقا ، وهل يلزم صرف ما ضمنه في سهم من أضحية أو يفرقه لحما فيه وجهان :

أحدهما : يشتري به سهما من أضحية ليجمع فيه بين إراقة الدم وتفرقة اللحم .

والوجه الثاني : يفرقه لحما ، لأنه أرفق ، وعلى كلا الوجهين إن ذبح أو فرق بعد أيام النحر أجزأه لأن ذبح سهم في شاة لا يكون أضحية فلم يعتبر فيه زمان الأضاحي .

التالي السابق


الخدمات العلمية