الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 126 ] باب العقيقة

مسألة : قال الشافعي : أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن سباع بن وهب ، عن أم كرز ، قالت : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أسأله عن لحوم الهدي فسمعته يقول : عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكرانا كن أو إناثا ، وسمعته يقول : أقرو والطير على مكناتها قال الشافعي - رحمه الله - : فيعق عن الغلام وعن الجارية كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال الماوردي : وأما العقيقة فهي شاة تذبح عند الولادة كانت العرب عليها قبل الإسلام .

القول في العقيقة

اختلف فيها بعد الإسلام ، فذهب الشافعي إلى أنها سنة مندوب إليها .

وقال أبو حنيفة : ليست بسنة ولا ندب .

وقال الحسن البصري وداود : هي واجبة ، واستدل أبو حنيفة على أنها غير مسنونة برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة ، فقال : لا أحب العقوق وبرواية ابن عقيل عن علي بن الحسن بن أبي رافع أن الحسن بن علي عليهما السلام لما ولد أرادت فاطمة عليها السلام أن تعق عنه كبشا ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : لا تعقي عنه ، واحلقي شعره ، وتصدقي بوزنه على المساكين ، فلما ولدت الحسين عليه السلام فعلت مثل ذلك ، واستدل الحسن على وجوب العقيقة بروايته عن سمرة بن جندب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الغلام مرتهن بعقيقته ، فاذبحوا عنه يوم السابع .

وروى محمد بن سيرين ، عن سليمان بن عامر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى .

والدليل على أنها سنة وليست بواجبة ما رواه الشافعي بعد حديث أم كرز ، عن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عق [ ص: 127 ] عن الحسن والحسين ابني علي عليهم السلام فدل على أن نهي فاطمة عنه ، لأنه عق عنهما .

وروى الشافعي ، عن سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن رجل من بني ضمرة ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة على المنبر سئل عن العقيقة فقال : لا أحب العقوق ، ولكن من ولد له ولد ، فأحب أن ينسك عنه فليفعل فدل على أنه كره الاسم ، وندب إلى الفعل .

ولكن وليمة النكاح مسنونة ، ومقصودها طلب الولد ، فكان ولادة الولد أولى بأن يكون الإطعام فيه مسنونا .

وأما قوله في حديث أم كرز : أقروا الطير على مكناتها رواه أبو عبيد بفتح الميم والكاف - يعني به أماكنها وأوكارها ، ورواه ابن الأعرابي بفتح الميم وكسر الكاف - يعني : وقت تملكها ، واستقرارها ، وفي المراد به تأويلان مختلفان بحسب اختلاف الرواية :

أحدهما : وهو تأويل الشافعي ، ومن رواه بكسر الكاف أن العرب كانت تعتاق الطير وتزجرها تفاؤلا وتطيرا إذا أرادوا حاجة أو سفرا فينفرون أول طائر يسفح لهم ، فإن طار ذات اليمين قالوا : هذا طائر الأيامن فيتيمنوا به ، وتوجهوا ، وأيقنوا بالنجاح ، وإن طار ذات الشمال قالوا : هذا طير الأشائم ، فتشاءموا به ، وعادوا معتقدين للخيبة ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا ، وقال : إن الله تعالى يحب الفأل ويكره الطيرة .

وروى قبيصة بن المخارق الهزلي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن الطيرة والعيافة والطرق . العيافة هي : زجر الطير ، والطرق : هو الضرب ، وبه سميت مطرقة الحداد .

والتأويل الثاني : وهو قول من رواه بالفتح في الكاف أنه أراد به النهي عن صيد الليل إذا أوت الطير إلى أماكنها ، واختلف من قال بهذا في معنى النهي عن صيد الليل فقال بعضهم لأنه وقت الدعة والراحة وقال آخرون : لأن أوكارها مأوى الهوام المخوف .

التالي السابق


الخدمات العلمية