مسألة : قال  
الشافعي   ، رضي الله عنه : " ويخطب الإمام قائما خطبتين ، يجلس بينهما جلسة خفيفة ، إلا أن يكون مريضا فيخطب جالسا ولا بأس بالكلام ما لم يخطب " .  
قال  
الماوردي      : وهذا كما قال .  
خطبة الجمعة  واجبة ، وهي من شرط صحتها ، لا يصح أداء الجمعة إلا بها ، فهو مذهب الفقهاء كافة إلا  
الحسن البصري   فإنه شذ عن الإجماع وقال : إنها ليست واجبة ، لأن الجمعة قد تصح لمن لم يحضر الخطبة ، ولو كانت واجبة لم يصح إدراك الجمعة إلا بها . وهذا خطأ ، ويوضحه إجماع من قبل  
الحسن   وبعده ، وقال تعالى :  
ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله     [ الجمعة : 9 ] . فكان في هذه الآية دلالة من وجهين :  
أحدهما : أن أمره بالسعي إلى ذكر الله يتضمن الخطبة والصلاة ، فاقتضى أن يكون الأمر بها واجبا .  
والثاني : أن الذكر مجمل ، يفتقر إلى بيان ، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك : بأن خطب خطبتين ، وصلى ركعتين وأكده بقوله صلى الله عليه وسلم :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921136صلوا كما رأيتموني أصلي     .  
وأما قوله : إنها لو كانت واجبة لتعلق إدراك الجمعة بحضورها فغير صحيح ، لأن      
[ ص: 433 ] الركعتين واجبتان بإجماع ، ثم لا يتعلق إدراك الجمعة بها ، لو أدرك ركعة صحت له الجمعة ، فكذلك الخطبة .  
فصل : فإذا ثبت وجوب الخطبة فوجوبها يتضمن شيئين :  
أحدهما : قول يأتي ذكره وتفصيله .  
والثاني : فعل وهو ثلاثة أشياء : قيام في الأولى ، وجلسة بعد فراغه منها ، وقيام في الثانية إلى انقضائها ، فإن ترك القيام في الأولى أو في الثانية ، أو ترك الجلسة بينهما ، لم يجز أن يصلي جمعة . قال  
الشافعي   ، رحمه الله : فلو أتى بالقيامين ولم يجلس وسكت لم تجزهم الجمعة .  
وقال  
أبو حنيفة      : لا تفتقر الخطبة إلى ما ذكرنا من القيامين والجلوس ، وكيف ما خطب قائما أو قاعدا أجزأه ، واستدل على أن القيام ليس بواجب : بأنه ذكر للصلاة يتقدمها ، فوجب أن لا يكون من شرطه القيام كالأذان ، واستدل على أن الجلسة ليست بواجبة بأن قال : الخطبة تشتمل على جلستين :  
إحداهما : متقدمة والثانية متوسطة ، فلما لم تجب الأولى منهما لم تجب الثانية . وهذا خطأ . ودليلنا : قوله تعالى :  
وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما     [ الجمعة : 295 ] .  
قال  
الشافعي   ، رحمه الله تعالى : " ولم أعلم مخالفا بين أهل العلم أنهم انفضوا عنه صلى الله عليه وسلم في حال قيامه في الخطبة . فاقتضى أن يكون القيام واجبا فيهما ، ليستحقوا الذي بتركه فيه ، وروى  
نافع   عن  
ابن عمر   قال :  
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الخطبتين قائما يفصل بينهما بجلسة     .  
وروى  
جابر بن سمرة   قال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921780كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ، ثم يجلس ، ثم يقوم فيخطب قائما ، ومن حدثك أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب قاعدا فقد كذب ، فوالله لقد صليت معه أكثر من ألفي صلاة  ولأن الخطبتين أقيمتا مقام ركعتين ، والقيام من شرط الصلاة ، فوجب أن يكون من شرط الخطبة .  
فأما الجواب عن قياسه على الأذان : فالمعنى : أنه لما لم يكن واجبا لم يكن القيام فيه واجبا ، ولما وجبت الخطبة وجب القيام فيها .  
وأما جمعه بين الجلسة الأولى والثانية فقد كان ذلك يوجب الأولى دون الثانية ،  
وأبو      [ ص: 434 ] حنيفة   يسقط وجوبهما معا ، والصحيح وجوب الثانية دون الأولى ، لأن الأولى ليست من الخطبة ، وإنما هي جلسة استراحة ، والثانية من الخطبة وأزيدت للفصل بين القيام ، فكانت واجبة كالجلسة بين السجدتين .  
وقد حكى  
ابن المنذر   أنه لم يقل بمذهب  
أبي حنيفة   غيره ، وحكى  
الطحاوي   أنه لم يقل بمذهب  
الشافعي   ، رحمه الله غيره .