الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 144 ] مسألة : قال الشافعي : وكذلك تترك أكل النسر والبازي والصقر والشاهين ، وهي مما يعدو على حمام الناس وطائرهم ، وكانت تترك مما لا يعدو من الطائر الغراب والحدأة والرخمة والبغاثة .

قال الماوردي : قد مضى الكلام في البهائم الماشية من الوحشية والإنسية .

فأما الطير فضربان :

أحدهما : ما فيه عدوى على الطائر بمخلبه وافتراس له بمنسره ، كالبازي والصقر والشاهين والنسر والحدأة والعقاب ، فأكل جميعها حرام ، وأباحها مالك ، ولم يحرم من الطائر كله شيئا .

[ ص: 145 ] ودليلنا رواية عاصم بن ضمرة عن علي - عليه السلام - ورواية سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير .

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : يؤكل ما دف ولا يؤكل ما صف ، يريد ما حرك جناحه كالحمام وغيره يؤكل ، وما صف جناحيه ، ولم يحركهما كالصقور والنسور ، لا يؤكل ، ومنه قوله تعالى : أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات [ تبارك : 19 ] .

والضرب الثاني : ما لا عدوى فيه ، فتنقسم ثلاثة أقسام :

أحدها : ما اغتذى بالميتة والجيف كالبغاث والرخم ، فأكلها حرام ، لخبث غذائه .

والقسم الثاني : ما كان مستخبثا كالخطاطيف والخشاشيف ، فأكله حرام ، لخبث لحمه .

والقسم الثالث : ما لم يخبث غذاؤه ، ولا لحمه كالحبارى والكروان ، فأكله حلال .

روى سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أكلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحم حبارى .

ويقاس على أصل هذه الأقسام الثلاثة - ما في نظائرها ، فمن ذلك الهدهد أكله حرام ، وقد ورد الخبر بالنهي عنه ، وكذلك الشقراق والعقعق : لأنها مستخبثة عند العرب ، فأما الغراب فأكله حرام ؛ الأسود منه والأبقع سواء .

وحكي عن الشعبي أنه أباح أكله ، وقال : من دجاجة ما أسمنها ؟ وقال آخرون : يؤكل منه الأسود دون الأبقع ، وهذا خطأ ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباح قتله في الحل والحرم .

وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت : إني لأعجب ممن يأكل [ ص: 146 ] الغراب ، وقد أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتله للمحرم وسماه فاسقا ، والله ما هو من الطيبات . وما يشبه الغراب ، وليس بغراب الزاغ والغداف ، فأما الزاغ فهو غراب الزرع ، وأما الغداف فهو أصغر منه أغبر اللون كالرماد ، ولأصحابنا في إباحة أكلها وجهان :

أحدهما : أن أكلها حرام ، لشبهها بالغراب ، وانطلاق اسمه عليها .

والوجه الثاني : ومنه قال أبو حنيفة : أن أكلها حلال ، لأنهما يلقطان الحب ، ويأكلان الزرع ولحمهما مستطاب ، وكل طائر حرم أكل لحمه حل أكل بيضه .

التالي السابق


الخدمات العلمية