الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر ما وصفنا لم يخل حال ما حكم بنجاسته من ثلاثة أقسام :

أحدها : ما كان نجس العين من الأصل خلقة ، ولم يكن له من الطهارة أصل كالكلب ، والخنزير ، فلا يجوز بيعه بحال : لنجاسة عينه ، سواء كان منتفعا به ، كالكلب ، أو غير منتفع به كالخنزير .

والقسم الثاني : ما طرأت نجاسته بعد تقدم طهارته من غير نجاسة جاورته ، كنجاسة الخمر ، بحدوث الشدة ، ونجاسة الميتة ، بحدوث الموت .

والشدة والموت لا يوصف بنجاسة ولا طهارة ، وإن نجس بهما الأعيان الطاهرة .

وهذه النجاسة مانعة من جواز البيع سواء أمكن إزالتها بدباغ الجلد أو لم يمكن إزالتها ، كاللحم : لنجاسة جميع الأجزاء التي لا يتخللها جزء طاهر .

وأجاز أبو حنيفة بيع ما يمكن إزالة نجاسته ، كالجلد لإمكان طهارته بالدباغة ، وهذا فاسد من وجهين :

أحدهما : أن نجاسة الخمر يمكن إزالتها عنده بالتخليل ، ولا يجوز بيعها ، كذلك الجلد .

والثاني : أنه قبل زوال نجاسته مساو لما تمكن إزالة نجاسته لا لنجاسة جميع أجزائه ، فلم يجز أن يجري على حكم الطهارة ، مع عدمها فيه .

والقسم الثالث : ما نجس بمجاورة النجاسة له مع طهارة عينه ، فهذا ينقسم ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تتميز نجاسته ويمكن إزالتها ، كالثوب النجس ، فيجوز بيعه ، قبل إزالة نجاسته ، لعلتين :

إحداهما : إمكان إزالتها .

الثانية : بقاء أكثر منافعه معها .

والقسم الثاني : أن لا تتميز نجاسته : لامتزاجه بها ، ولا يمكن إزالتها ، كالدبس واللبن إذا نجس ، وكذلكالماء النجس ، فلا يجوز بيع ذلك ، لأنه لا سبيل إلى طهارته ، فإن قيل : فالماء النجس يطهر بالمكاثرة .

[ ص: 160 ] قيل : المكاثرة لا تزيل النجاسة : لبقائها فيه ، وإنما يغلب حكم المكاثرة ، فيحكم له بالطهارة .

أولا ترى أن البول لو وقع في الماء الكثير ، فلم يغيره كان طاهرا ، وجاز بيعه ولا يدل ذلك على طهارة البول ، كذلك الماء النجس .

والقسم الثالث : ما لم يتميز نجاسته : لامتزاجه واختلف في إمكان إزالتها منه ، وهو الزيت النجس ، وما جرى مجراه من الأدهان ، دون السمن . ففي إمكان غسله وطهارته وجهان :

أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج وابن أبي هريرة أنه يمكن غسله ، ويطهر بأن يراق عليه الماء في إناء ، ويمخض فيه مخضا ، يصير به مغسولا ، كالثوب : لأن الدهن يتميز عن الماء ويعلو عليه ، كما يتميز الثوب ، ثم يؤخذ ، فيكون طاهرا .

والوجه الثاني : وهو الظاهر من مذهب الشافعي ، وقول جمهور أصحابه : إن غسله لا يصح بخلاف الثوب ، لأنه مائع ، كالماء ، فلم يكن جذب الماء للنجاسة بأولى من جذب الزيت لها ، فكان باقيا على نجاسته والماء في الثوب يجذب نجاسته إليه ، فافترقا .

فإن قيل : إن غسله لا يصح لم يجز بيعه ، وهو الصحيح .

وإن قيل : إن غسله يصح ، ففي جواز بيعه وجهان من علتي بيع الثوب النجس :

إحداهما : يجوز بيعه تعليلا بإمكان تطهيره بالغسل .

والوجه الثاني : لا يجوز بيعه تعليلا بذهاب أكثر منافعه بنجاسته .

التالي السابق


الخدمات العلمية