الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذ قد مضى ما يحل ويحرم من الحيوان وجب أن نبين ما يحل ويحرم من النبات ، والنبات على أربعة أقسام :

[ ص: 178 ] أحدها : ما كان غذاء كالحبوب والثمار والفواكه ، والبقول ، فأكلها مباح وبيعها جائز ، وسواء أكلت قوتا أو تفكها ، فإن كانت مما زرعه الآدميون ، فهي ملك لزارعها ، وإن كانت مما أنبته الله تعالى في الموات ، فهي ملك لآخذها .

والقسم الثاني : ما كان دواء ، فأكله للتداوي مباح ، وينظر في أكله لغير التداوي ، فإن كان ضارا منع من أكله ، وإن كان غير ضار أبيح أكله ، وبيعه في الحالين جميعا جائز .

والقسم الثالث : ما كان مسكرا ، وهو على ثلاثة أضرب :

أحدها : أن يكون فيه مع السكر شدة مطربة ، فأكله حرام ، وعلى آكله الحد ، ولا يجوز أن يستعمل في دواء ولا غيره كالخمر ، وبيعه حرام .

والضرب الثاني : أن يسكر ، ولا تكون فيه شدة مطربة كالبنج ، فأكله حرام ، ولا حد على أكله ، ويجوز أن يستعمل في الدواء عند الحاجة ، وإن أفضى إلى السكر إذا لم يوجد من إسكاره بد ، وينظر في بيعه ، فإن كان يستعمل في الأدوية غالبا جاز بيعه ولم يكره ، وإن كان يستعمل فيها نادرا كره بيعه ، وإن جاز .

والضرب الثالث : ما أسكر مع غيره ولم يسكر بانفراده كالداذي ، وما شاكله ، فينظر فيه ، فإن لم ينتفع به من دواء ، ولا غيره ، حرم أكله وبيعه تغليبا ، لغالب أحواله ، وإن انتفع بأكله في الدواء حل أكله تداويا وجاز بيعه ، وكان مكروها إن كان أغلب أحواله استعماله في المسكر ، ولم يكره إن كان أغلب أحواله استعماله من غير المسكر .

والقسم الرابع : ما كان ضارا كالسموم ، فهذا على أربعة أضرب :

أحدها : ما قتل قليله ، وكثيره ، فأكله حرام ، وبيعه باطل سواء كان قتله موجيا أو مبطئا .

والضرب الثاني : ما قتل كثيره دون قليله ، فأكل كثيره حرام ، فأما قليله ، فإن كان غير منتفع به حرم أكله ، وبطل بيعه تغليبا لضرره ، وإن كان منتفعا به من التداوي حل أكله تداويا ، وجاز بيعه ، ولم يكره ، وإن كان غالبه التداوي وكره إن كان غالبه غير التداوي .

والضرب الثالث : ما يقتل في الأغلب ، وقد يجوز أن لا يقتل ، فحكم الأغلب له ألزم ، ويكون على ما تقدم .

والضرب الرابع : ما لا يقتل في الأغلب ، وقد يجوز أن يقتل ، فقد ذكر الشافعي [ ص: 179 ] في موضع إباحة أكله ، وذكر في موضع تحريم أكله ، فتوهم بعض أصحابه ، فخرج إباحة أكله على قولين اعتبارا بظواهر كلامه في الموضعين .

والصحيح أن إباحته لأكله إذا كان منتفعا به في التداوي وتحريم أكله إذا كان غير منتفع به في التداوي ، فيكون على اختلاف حالين لا على اختلاف قولين .

التالي السابق


الخدمات العلمية