الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال المزني : وخالف الشافعي المدني والكوفي في الانتفاع بشعر الخنزير وفي صوف الميتة وشعرها ، فقال : لا ينتفع بشيء من ذلك .

قال الماوردي : وقد مضى الخلاف في نجاسة الشعور والأصواف وطهارتها في كتاب الطهارة ، فالطاهر منها يجوز استعماله في الذائب واليابس ، وأما النجس منها ، فضربان :

أحدهما : ما كان في الحياة طاهرا ، كشعور السباع ، والذئاب ، فاستعمالها في اليابسات من متاع دون الذائبات .

والضرب الثاني : ما كان نجسا في الحياة كشعر الكلب والخنزير ، وإن جرى عرف العوام باستعماله ، وأجازه أبو حنيفة ومالك .

وسئل عنه أحمد بن حنبل ، فقال : الليف أعجب إلي منه ، فكأنه كرهه وأجازه ، وعولوا في إباحة استعماله على أمرين :

أحدهما : أن الحاجة داعية إليه .

والثاني : أن عرف العامة جار باستعماله ، وهذا فاسد من وجهين :

أحدهما : أنه لما حرم الانتفاع بالخنزير حيا كان تحريم شعره ميتا أولى .

والثاني : أنه لما كان أغلظ تنجيسا وجب أن يكون أغلظ تحريما ، فإن خالفوا من نجاسته انتقل الكلام إليه .

فأما تعويلهم على الحاجة إليه ، فالحاجة لا تبيح محظورا ، وقد يقوم الليف مقامه ، فسقطت الحاجة إليه .

وتعويلهم على العرف في استعماله ، فهو عرف من مسترسل في دينه .

فإذا صح تحريم استعماله كان مأثم تحريمه عائدا على مستعمله ، وجاز بيع المحروز به ، فإن كان الشعر عند الاستعمال يابسا لاقى يابسا ، فالخف المحروز به طاهر ، والصلاة فيه جائزة ، وإن لاقى في الحرز نداوة كان ما مسه الشعر من الخف المحروز نجسا ، فإن غسل سبعا بتراب طهر ظاهره ، ولم تطهر دواخل الحرز ، ولم تجز الصلاة فيه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية