الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإن تفاضلا في الإصابة لم يخل تفاضلهما فيها من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يفضل ، ولا ينضل بما فضل ، وهو أن يشترطا إصابة خمسة من عشرين محاطة ، فيصيب أحدهما عشرة أسهم ، ويصيب الآخر ستة أسهم ، فتحط الستة من العشرة ، فيكون الباقي منها أربعة فلا ينضل ؛ لأن شرط الإصابة خمسة ، وهكذا لو أصاب أحدهما خمسة عشر ، وأصاب الآخر أحد عشر لم ينضل الفاضل ، لأن الباقي له [ ص: 206 ] بعد الحط أربعة ثم على هذه العبرة إذا كان الباقي أقل من خمسة .

والقسم الثاني : أن ينضل بما فضل بعد استيفاء الرشق ، وهو أن يصيب أحدهما خمسة عشر من عشرين ، ويصيب الآخر عشرة من عشرين ، فينضل الفاضل ؛ لأنها إذا أسقطت من إصابته عشرة كان الباقي بعدها خمسة ، وهو عدد النضل ، وهكذا لو أصاب أحدهما عشرة ، وأصاب الآخر خمسة كان الفاضل ناضلا ؛ لأنه إذا أسقطت الخمسة من إصابته كان الباقي بعدها خمسة ، وهو عدد النضل ، وهكذا لو كان الباقي بعد الحط أكثر من خمسة ، ثم على هذه العبرة .

والقسم الثالث : أن ينضل بما فضل قبل استيفاء الرشق ، وهو أن يصيب أحدهما عشرة من خمسة عشر ، ويصيب الآخر خمسة من خمسة عشر ، ويكون الباقي من الأكثر خمسة هي عدد النضل ، فهل يستقر النضال بهذا قبل استيفاء الرشق أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : يستقر النضل ويسقط باقي الرشق ؛ لأن مقصوده معرفة الأحذق ، وقد عرف .

والوجه الثاني : - وهو الأظهر - أنه لا يستقر النضل بهذه المبادرة إلى العدد حتى يرميا بقية الرشق ؛ لأن العقد قد تضمنها ، وقد يجوز أن يصيب المفضول جميعها أو أكثرها ويخطئ الفاضل جميعها أو أكثرها .

وعلى هذا يكون التفريع ، فإذا رميا بقية الرشق ، وهو الخمسة الباقية ، فإن أصاب المفضول جميعها أو أخطأ الفاضل جميعها ، فقد استويا ولم ينضل واحد منهما : لأن إصابة كل واحد منهما عشرة ، وإن أصاب الفاضل ، وأخطأ المفضول جميعها استقر فضل الفاضل ؛ لأنه أصاب خمسة عشر من عشرين ، وأصاب المفضول خمسة من عشرين ، فكان الباقي بعد الحط عشرة ، هي أكثر من شرطه ، فلو أصاب الفاضل من الخمسة الباقية سهما ، وأصاب المفضول سهمين لم يفضل الفاضل ؛ لأن عدد إصابته أحد عشر سهما ، وعدد إصابة المفضول سبعة إذا حطت من تلك الإصابة كان الباقي أربعة ، والشرط أن تكون خمسة ، فلذلك لم ينضل وإن فضل ، فلو أصاب الفاضل سهمين ، والمفضول سهمين صار الفاضل ناضلا ؛ لأنه أصاب اثني عشر ، وأصاب المفضول سبعة ليبقى للفاضل بعد الحط خمسة .

ولو أصاب أحدهما سبعة من عشرة ، وأصاب الآخر سهمين من عشرة ، فإذا رميا بقية السهام فإن أصاب المفضول جميعها ، وأخطأ الفاضل جميعها صار الأول ناضلا والثاني منضولا : لأن الأول له سبعة ، والثاني له اثنا عشر يبقى له بعد الحط خمسة ، ولو أصاب الأول جميعها ، وأصاب الثاني جميعها كان الأول ناضلا : لأن إصابته سبعة عشر [ ص: 207 ] وإصابة الثاني اثنا عشر ، فإن أخطأ الأول في سهم من بقية الرشق لم يفضل ولم ينضل ، ولو أصاب اثني عشر من خمسة عشر ، وأصاب الآخر سهمين من خمسة عشر استقر النضل ، وسقط بقية الرشق وجها واحدا ؛ لأن المفضول لو أصاب جميع الخمسة الباقية في الرشق حتى استكمل بما تقدم سبعة كان منضولا ؛ لأن الباقي للفاضل بعد حطها خمسة ، فلم يستفد ببقية الرمي أن يدفع عن نفسه النضل ، فسقط ، ثم على هذه العبرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية