الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وإن قال ارم عشرة أرشاق ، فإن كان صوابك أكثر فلك كذا لم يجز أن يناضل نفسه " .

قال الماوردي : اختلف أصحابنا في صورة هذه المسألة على وجهين :

أحدهما : أن المزني حذف منها ما قد ذكره الشافعي في كتاب " الأم " فقال فيه :

ولو قال له : ناضل نفسك ، وارم عشرة أرشاق ، فإن كان صوابك أكثر من خطئك فلك كذا لم يجز أن يناضل نفسه ، فحذف المزني قوله : " ناضل نفسك " وأورد باقي كلامه ، وحكمه على هذه الصورة باطل باتفاق أصحابنا .

[ ص: 230 ] واختلفوا في تعليله ، فقال أبو إسحاق المروزي : وهو الظاهر من تعليل الشافعي أنه جعله مناضلا لنفسه ، والنضال لا يكون إلا بين اثنين ، فإن كثر ، فاستحال نضال نفسه فبطل .

وقال آخرون : بل علة بطلانه أنه ناضل على خطئه بصوابه بقوله : إن كان صوابك أكثر من خطئك ، والخطأ لا يناضل عليه ، ولا به .

والوجه الثاني : أن المسألة مصورة على ما أورده المزني هاهنا ، ولم يذكر فيه نضال نفسه ، وقال له : ارم عشرة أرشاق ، فعلى هذا يكون في صحته وجهان من اختلاف العلتين :

أحدهما : أنه صحيح ، ويستحق ما جعل له للتعليل الأول : لأنه بذل مالا على عمل لم يناضل فيه نفسه .

والوجه الثاني : أنه باطل للتعليل الثاني أنه مناضل على خطئه وصوابه ، ويتفرع عن هاتين المسألتين ثالثة :

واختلف فيها أصحابنا بأيهما تلحق على وجهين ، وهو أن يقول : ناضل وارم عشرة أرشاق فإن كان صوابك أكثر ، فلك كذا فتوافق المسألة الأولى في قوله : ناضل ، وتوافق المسألة الثانية في حذف قوله : ناضل نفسك ، وأحد الوجهين وهو قول أبي إسحاق المروزي : إنهما في حكم المسألة الأولى في البطلان : لأجل قوله : ناضل ، والنضال لا يكون إلا بين اثنين فصار كقوله : ناضل نفسك .

والوجه الثاني : أنها في حكم المسألة الثانية في حمل صحتها على وجهين من اختلاف العلتين إذا سقط قوله : ناضل نفسك صار قوله : ناضل ، يعني : ارم على نضال ، والنضال المال ، فصار كالابتداء بقوله : ارم عشرة أرشاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية