الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والقسم الثالث من أسمائه ما اختص إطلاقه بالله تعالى ، وكان في الإضافة مشتركا ، وهو الرب ، اسم مأخوذ من صفة ، اختلف فيها على أربعة أوجه :

أحدها : أنه مأخوذ من المالك ، كما يقال : رب الدار أي مالكها .

والثاني : أنه مأخوذ من السيد ؛ لأن السيد يسمى ربا . قال الله تعالى : أما أحدكما فيسقي ربه خمرا [ يوسف : 36 ] . يعني : سيده .

والثالث : أنه الرب المدبر ، ومنه قول الله تعالى : والربانيون والأحبار [ المائدة : 144 ] . وهم العلماء سموا ربانيين ، لقيامهم بتدبير الناس بعلمهم ، وقيل : ربة البيت ؛ لأنها تدبره .

والرابع : أن الرب مشتق من التربية ، ومنه قول الله تعالى : وربائبكم اللاتي في حجوركم [ النساء : 23 ] . فسمي ولد الزوجة ربيبة ، لتربية الزوج لها ، فعلى هذا إن قيل : إن صفة الله تعالى بأنه رب ؛ لأنه مالك أو سيد ، فذلك صفة من صفات ذاته .

وإن قيل : لأنه مدبر لخلقه أو مربيهم ، فذلك صفة من صفات فعله ، وصفات ذاته قديمة ، وصفات فعله محدثة ، وهما في اشتقاق الاسم منه على السواء ؛ لأنه يكون حالفا بالاسم دون الصفة ، وإن كانت اليمين بالصفتين مختلفة ، تنعقد بصفة الذات لقدمها ، ولا تنعقد بصفة الفعل لحدوثها .

فإذا تقرر اشتقاقه انقسمت اليمين به أربعة أقسام :

أحدها : ما يكون به حالفا في الظاهر والباطن ، وهو أن يصفه بما لا يستحقه إلا الله تعالى ، وهو أن يقول : رب العالمين ، أو رب السماوات والأرضين ، فهذا حالف به في الظاهر والباطن ؛ لأنه وصفه بما اختص الله تعالى به دون غيره فإن قال : أردت غير الله لم يقبل منه .

والقسم الثاني : ما يكون به حالفا في الظاهر ، ويجوز أن يكون غير حالف به في الباطن ، وهو أن يقول : والرب ، فيدخل عليه الألف واللام ، ولا يعرفه بصفة ، فيكون حالفا به في الظاهر ، فإن قال : أردت به رب الدار ، دين في الباطن ، ولم يكن به حالفا لاحتماله ، وكان حالفا به في الظاهر لإطلاقه .

والقسم الثالث : ما لا يكون به حالفا في الظاهر ، ويجوز أن يكون حالفا به في [ ص: 258 ] الباطن ، وهو أن يقول : ورب هذه الدار ، فلا يكون حالفا في الظاهر ؛ لأنه في العرف إشارة إلى مالكها ، فإن قال : أردت به خالقها ، وهو الله تعالى ، كان حالفا .

والقسم الرابع : ما اعتبر فيه عرف الحالف ، وهو أن يقول : وربي ، فإن كان من قوم يسمون السيد في عرفهم ربا ، لم يكن حالفا في الظاهر إلا أن يريد به الله تعالى ، فيصير به حالفا ، وإن كان من قوم لا يسمون الرب في عرفهم إلا الله تعالى كان حالفا في الظاهر إلا أن يريد به غير الله تعالى ، فلا يكون حالفا في الباطن اعتبارا بالعرف في الحالين ، قال الله تعالى : أما أحدكما فيسقي ربه خمرا [ يوسف : 136 ] . يعني سيده . وحكي عن إبراهيم : إني ذاهب إلى ربي سيهدين [ الصافات : 99 ] . يعني الله تعالى ، فكان الرب في إبراهيم ويوسف مختلفا في المراد به لاختلافهم في العرف .

التالي السابق


الخدمات العلمية