الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر هذا ، وحلف على أحد هذه الأقسام الخمسة ، فلا يخلو حاله فيها أن يبر أو يحنث ، فإن بر فلا كفارة عليه ، سواء كان بره فيها طاعة أو معصية ، ذهب بعض إلى وجوب الكفارة عليه بعقد اليمين وإن لم يحنث فيها ، وهو قول عائشة والحسن [ ص: 266 ] وقتادة تعلقا بقول الله تعالى : ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم [ المائدة : 89 ] ، فعلق الكفارة باليمين دون الحنث .

والدليل على فساد هذا القول ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : والله لأغزون قريشا فغزاهم ولم يكفر وقوله : ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم [ المائدة : 89 ] ، يعني : وحنثتم ، كما قال فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر [ البقرة : 184 ] ، أي : فأفطرتم ، فعدة من أيام أخر ، فحذف ذلك لدلالة الكلام عليه ، وإن حنث في يمينه وجبت الكفارة عليه ، سواء كان حنثه طاعة أو معصية .

وذهب الشعبي وسعيد بن جبير إلى أنه لا كفارة في حنث الطاعة ، وإنما تجب في حنث المعصية : لأن فعل الطاعة مأمور به ، وغير آثم فيه ، فلم يحتج إلى تكفير كالقتل ، إن أثم به كفر ، وإن لم يأثم به لم يكفر ، وهذا خطأ : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ، فليأت الذي هو خير ، وليكفر عن يمينه وليس يمتنع أن يكفر في فعل الطاعة كالمحرم إذا اضطر إلى أكل الصيد كان مطيعا في قتله ، وعليه أن يكفر بالجزاء ، وكالقاتل الخطأ ليس يأثم ، وعليه الكفارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية