الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت جواز الاستثناء دون وجوبه ، فلا تأثير لاستثنائه إلا أن يقوله موصولا بكلامه ، فإن انقطع عنه لم يكن له حكم ، وحكي عنالحسن البصري ، وعطاء أنه إن استثنى في مجلس يمينه صح ، وإن استثنى بعد فراغه لم يصح وعن ابن عباس روايتان :

إحداهما : أن الاستثناء يصح أبدا في طويل الزمان وقصيره .

والثانية : أنه يصح إلى حين ، والحين عنده سنة ، ولا يصح بعدها احتجاجا بقول الله عز وجل : واذكر ربك إذا نسيت [ الكهف : 124 ] أي : اذكر الاستثناء إذا نسيته فعمم الأمر من غير تحديد .

وروى عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا ، وسكت ثم قال : إن شاء الله فدل على جواز الاستثناء متصلا أو منفصلا .

والدليل على بطلان الاستثناء بعد انقطاعه قول الله تعالى : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله فجعل الاستثناء على الفور دون التراخي ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف فقال : إن شاء الله فقد استثنى ، فذكر الاستثناء بحرف الفاء الموجبة للتعقيب والفور .

[ ص: 283 ] ولأن عرف الناس في الكلام المنفصل أن يكون مخالفا للكلام المتصل : ألا تراه لو قال لعبده : أنت حر وسكت ، ثم قال بعد زمان : إن دخلت الدار ، عتق بالكلام الأول ، ولم يكن ما ذكره من دخول الدار شرطا ، ولو قال له علي عشرة دراهم وسكت ثم قال بعد وقت : إلا خمسة ، لم يكن ذلك استثناء ولزمته العشرة : لاستقرار حكم الكلام بالسكوت عليه ، كذلك الاستثناء بمشيئة الله تعالى .

ولأنه لو صح الاستثناء بعد طويل الزمان لسقطت كفارات الأيمان باستثنائه قبل الحنث .

وأما قوله تعالى : واذكر ربك إذا نسيت [ الكهف : 24 ] ، فقد قال عكرمة معناه : واذكر ربك إذا غضبت ليزول عنك الغضب عند ذكره ، وأما الخبر فقد ذكر الساجي أنه مرسل ، رواه عكرمة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو صح جاز ألا يكون محمولا على سكوته لانقطاع النفس ، أو قاله بعد تطاول الزمان استعانة بمشيئة الله على مقاصده ، وإن لم يجعله استثناء في يمينه : لأنه قد وفى بها في غزو قريش .

التالي السابق


الخدمات العلمية