الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وإذا حنث موسرا ثم أعسر ، لم أر الصوم يجزئ عنه وآمره احتياطا أن يصوم ، فإذا أيسر كفر ، وإنما أنظر في هذا إلى الوقت الذي يحنث فيه ولو حنث معسرا فأيسر أحببت له أن يكفر ولا يصوم ، وإن صام أجزأ عنه : لأن حكمه حين حنث حكم الصيام ( قال المزني ) وقد قال في الظهار : إن حكمه حين يكفر ، وقد قال في [ ص: 315 ] جماعة العلماء : إن تظاهر فلم يجد رقبة أو أحدث ، فلم يجد ماء فلم يصم ، ولم يدخل في الصلاة بالتيمم حتى وجد الرقبة والماء إن فرضه العتق والوضوء ، وقوله في جماعة العلماء أولى به من انفراده عنها " .

قال الماوردي : اعلم أن الكفارة تختلف باليسار والإعسار ففرض الموسر أن يكفر بالمال ، وفرض المعسر أن يكفر بالصيام ، وقد يختلف اليسار والإعسار ، فيكون عند الوجوب موسرا ، وعند التكفير معسرا ، وقد يكون عند الوجوب معسرا ، وعند التكفير موسرا ، فاختلف قول الشافعي هل يعتبر بالكفارة حال الوجوب أو يعتبر بها حال الأداء على قولين منصوصين وثالث مخرج .

أحدها : أن المعتبر بها حال الوجوب ، وهو المنصوص عليه في هذا الموضع من كتاب الأيمان ، فإذا حنث وهو موسر ، فلم يكفر بالمال حتى أعسر ، ففرضه التكفير بالمال دون الصيام ، وتكون الكفارة باقية في ذمته حتى يوسر فيكفر ، ويستحب له أن يعجل بالتكفير بالصيام استظهارا حذرا من فوات التكفير بالموت ، لاستدامة الإعسار ولم يسقط عنه فرض التكفير بالصيام ، ولو كان معسرا عند الحنث ففرضه التكفير بالصيام ، فإن عدل عنه إلى التكفير بالمال أجزاه : لأنه عدل عن الأخف إلى الأغلظ ، ووجه هذا القول في اعتبار الكفارة بحال الوجوب شيئان :

أحدهما : إلحاقها بالحدود ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وما يدريك لعل الحدود كفارات والحدود معتبرة بحال الوجوب دون الفعل ؛ لأن العبد إذا زنا ، فلم يحد حتى أعتق حد حد العبيد ، والبكر إذا زنا فلم يحد حتى أحصن حد حد الأبكار ، وكذلك الكفارات .

والثاني : أن التكفير لذنب متقدم ، فاعتبر بحال الوجوب لقربه من سببه .

والقول الثاني : أن المعتبر بالكفارة حال الأداء دون الوجوب نص عليه الشافعي في كتاب الظهار ، فإذا حنث وهو موسر ، فلم يكفر حتى أعسر ، كان فرضه التكفير بالصيام ، ولو حنث وهو معسر فلم يكفر حتى أيسر كان فرضه التكفير بالمال ، ووجه هذا القول في اعتبار الكفارة بحال الأداء شيئان :

أحدهما : إلحاقها بالطهارة ؛ لأن كل واحدة منها ذات بدل فلما اعتبرت الطهارة بحال الأداء فكذلك الكفارة .

والثاني : أنها مواساة فاعتبرت بأقرب الأحوال من مواساته .

والقول الثالث : وهو مخرج أن المعتبر بالكفارة أغلظ الأمرين من حال الوجوب أو حال الأداء : لأنها تكفير عن ذنب ، فكانت بالتغليظ أخص ، وقد استوفينا هذه [ ص: 316 ] المسألة فيما تقدم بفروعها .

التالي السابق


الخدمات العلمية