الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : وأقل ما يقع عليه اسم الإيمان على الأعجمي أن يصف الإيمان إذا أمر بصفته ثم يكون به مؤمنا .

[ ص: 323 ] قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا ثبت أن الإيمان شرط في عتق الكفارة فإيمانها على ضربين :

أحدهما : إيمان فعل .

والثاني : إيمان حكم ، فأما إيمان الفعل فلا يكون إلا من بالغ عاقل ، تؤخذ عليه شروط الإيمان قطعا ، وشروطه أن يتلفظ بالشهادتين فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، قال الشافعي : ويقر بالبعث والجزاء ، ويبرأ من كل دين خالف الإسلام ، فأما إقراره بالبعث والجزاء فمستحب ، وليس يقف إيمانه على إقراره ؛ لأنه من موجبات الإيمان ، وأما براءته من كل دين خالف الإسلام ، فقد اختلف أصحابنا في وجوبه على ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه شرط فيه كالشهادتين .

والثاني : أنه مستحب كالبعث .

والثالث : أنه إن كان من قوم ينكرون نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، كان إقراره بنبوته يغني عن براءته من كل دين خالف الإسلام ، ويكون اشتراط ذلك فيه مستحبا ، وإن كان من قوم يعتقدون أنه مبعوث إلى قومه من العرب دون غيرهم كيهود خيبر ، فإنهم كانوا يقولون : هو مبعوث إلى الأميين من العرب دوننا ، وإنما ننتظر مبعوثا إلينا من ولد إسحاق ، فتكون البراءة من كل دين خالف الإسلام شرطا في صحة إيمانه ، وبهذا قال أبو علي بن أبي هريرة فإذا صح ما يكون شرطا في إيمانه نظر ، فإن كان عربي اللسان تلفظ به نطقا ولا نقتنع منه بالإشارة مع سلامة لسانه وفهم كلامه ، وإن كان أعجمي اللسان نظر ، فإن حضر من يفهم لسانه لم يكن مؤمنا إلا بالنطق دون الإشارة كالعربي ، وإن لم يحضر من يفهم لسانه دعت الضرورة إلى أن تؤخذ عليه شروط الإسلام ، بالإشارة دون النطق كالأخرس ، وروي أن معاوية بن الحكم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعبد أعجمي جليب ، فقال : يا رسول الله : إني نذرت أن أعتق رقبة مؤمنة فيجزئ هذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : من ربك ، فأشار إلى السماء ، أي : رب السماء ؟ فقال : من نبيك ، فأشار إليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اعتقه فإنه مؤمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية