الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ويجزئ المدبر ولا يجوز المكاتب حتى يعجز فيعتق بعد العجز ، ويجزئ المعتق إلى سنين ، واحتج في كتاب اليمين مع الشاهد على من أجاز عتق الذمي في الكفارة بأن الله عز وجل لما ذكر رقبة في كفارة فقال : " مؤمنة " ثم ذكر رقبة أخرى في كفارة كانت مؤمنة ؛ لأنهما يجتمعان في أنهما كفارتان ولما رأينا ما فرض الله عز وجل على المسلمين في أموالهم منقولا إلى المسلمين لم يجز أن يخرج من ماله فرضا عليه ، فيعتق به ذميا ويدع مؤمنا .

قال الماوردي : أما المدبر فيجزئ عتقه عن الكفارة لبقائه على الرق وجواز [ ص: 328 ] بيعه ، ومنع أبو حنيفة من إجزائه لمنعه من جواز بيعه ، وسائر الكلام معه في كتاب المدبر ، وكذلك المعلق عتقه بصفة إذا عجل عتقه عن كفارة أجزأه سواء كانت الصفة معلقة بالزمان ، كقوله : إذا هل شهر كذا فأنت حر كانت الصفة معلقة بالفعل ، كقوله : إن دخلت الدار فأنت حر ، وإنما أجزأه ، إلحاقا له بالمدبر ، كما أن بيعه يجوز كالمدبر ، ولكن لو نوى فيه أن يصير بمجيء الصفة حرا عن كفارته لم يجزه ؛ لأنه يصير معتقا بسببين ، وتعجيل عتقه قبل الصفة يجعله معتقا بسبب واحد ، فأما عتق أم الولد فلا يجزئ عن الكفارة .

واختلف أصحابنا في تعليل هذا المنع ، فقال بعضهم : التحريم بيعها ، وقال آخرون : استحقاق عتقها بالولادة يجعلها معتقة بسببين ، وأما عتق المكاتب قبل عجزه فلا يجزئ ، وقال أبو حنيفة : إن لم يؤد شيئا من نجومه أجزأه ، وإن أدى شيئا منها لم يجزه ، وقد ذكرناه في كتاب الظهار . فأما إن عجز عن الأداء فأعتقه بعد التعجيز أجزأه : لأنه قد عاد إلى الرق في جواز البيع ، وجميع الأحكام ، فأما إذا أعتق شخصا له من عبد ينوي به الكفارة ، وكان موسرا عتق عليه جميعه وأجزأه منه قدر حصته ، وفي إجزاء حصة شريكه ثلاثة أوجه :

أحدها : لا يجزئه لأنه يعتق عليه بغير التكفير فصار عتقا بسببين .

والوجه الثاني : يجزئه ؛ لأن عتقه تبع لعتق حصته ، فجرى عليه حكمها في الإجزاء .

والوجه الثالث : أنه إن نوى عند عتق حصته عتق جميعه عن كفارته أجزأه ، وإن قصر نيته على عتق حصته وحدها لم يجزه ، وإذا أكمل عتق رقبة من عبدين أعتق من كل واحد نصفه ، وفي إجزائه وجهان مضيا .

وفيه وجه رابع : أنه إن كان الباقي من كل واحد منهما حرا أجزأه ، وإن كان الباقي منهما مملوكا لم يجزه ، فأما إذا أعتق عبدا مرهونا أو جانيا ، فإن قيل ببطلان عتقهما على ما ذكرناه من الأقاويل فيها لم يجزه ، وإن قيل بجواز عتقهما أجزأه عن كفارته ، ثم ختم المزني الباب بالاحتجاج على أبي حنيفة والمنع من إجزاء عتق الكافر بما مضى ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية