الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو كانا في بيتين فجعل بينهما حدا ، ولكل واحد من الحجرتان باب ، فليست هذه بمساكنة وإن كانا في دار واحدة ، والمساكنة أن يكونا في بيت أو بيتين حجرتهما واحدة ومدخلهما واحد ، وإذا افترق البيتان أو الحجرتان فليست بمساكنة ، إلا أن يكون له نية فهو على ما نوى ، فإن قيل : ما الحجة في أن النقلة ببدنه دون متاعه وأهله وماله ؟ قيل : أرأيت إذا سافر أيكون من أهل السفر فيقصر ؟ أو رأيت لو تقطع إلى مكة ببدنه أيكون من حاضري المسجد الحرام الذين إن تمتعوا لم يكن عليهم دم ؟ [ ص: 347 ] فإذا قال : نعم ، فإنما النقلة والحكم على البدن لا على مال وأهل وعيال " .

قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا حلف لا يساكنه ، وقد جمعتهما دار واحدة لم يخل حالهما في وقت اليمين من أن يكونا مجتمعين ، أو غير مجتمعين ، فإن لم يكونا مجتمعين ، وكانا خارجين ، أو أحدهما فقسمت الدار بينهما بحائط بني في وسطها ، وسكن كل واحد منهما أحد الجانبين بباب مفرد ، يدخل ويخرج منه ، بر في يمينه ، وليست هذه مساكنة ، وإنما هي مجاورة ، وإن كانا في وقت اليمين مجتمعين فشرعا في بناء حائط بينهما ، حنث ؛ لأنهما قبل كمال ما يقع بينهما متساكنان ولو كان في الدار حجرة ، فسكن أحدهما في الحجرة ، والآخر في الدار نظر ، فإن كان باب الحجرة إلى الدار ، حنث لأنهما متساكنان ، وإن انفردت الحجرة بباب غير باب الدار نظر ، فإن كان بابها إلى الدار مسدودا بر ، وإن كان بابها إلى الدار مفتوحا حنث ، ولو كان في الدار حجرتان فسكن كل واحد منهما في إحدى الحجرتين ، فإن لم تكن الدار مع واحد منهما بر ، وإن كان باب كل واحد منهما إلى الدار صارت كالخان الذي فيه حجر ، فلا يحنث إذا سكن كل واحد منهما في حجرة من الخان ، كذلك الدار ، وإن كانت الدار مع أحدهما ، فهو على ما مضى ، إذا كان في الدار حجرة واحدة ، فإنه لا يبر حتى تنفرد الحجرة عن الدار بباب للدخول والخروج منها بعد قطع ما بين الحجرة والدار .

ولو كانا في دار واحدة فاختص كل واحد منهما ببيت منها ، فإن كانت الدار صغيرة ، حنث : لأنها مسكن واحد ، وإن كانت واسعة فإن اعتزلا الدار ، وتفردا بالبابين منها بباب يغلق كل واحد منهما على نفسه ، بر وصارا كساكني بيتين من خان جامع ، فلا يحنث بسكنى كل واحد منهما في بيت منه ، كذلك هذه الدار ، وإن لم يعتزلا الدار ، حنث ولو كانت الدار واحدة ، فسكن أحدهما في علوها ، وسكن الآخر في سفلها ، فإن كان مدخلهما ومخرجهما واحدا حنث ، وإن انفرد كل واحد منهما بمدخل ومخرج ، وانقطع ما بين العلو والسفل بر .

التالي السابق


الخدمات العلمية