الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل على رجل غيره بيتا ، فوجد المحلوف عليه فيه لم يحنث : لأنه لم يدخل على ذلك ، وإن علم أنه في البيت فدخل عليه حنث في قول من يحنث على غير النية ولا يرفع الخطأ ( قال المزني ) رحمه الله : قد سوى الشافعي في الحنث بين من حلف ففعل عمدا أو خطأ " .

قال الماوردي : وصورتها أن يقول : والله لا دخلت على زيد بيتا فيدخل عليه ، فهذا على ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يدخل عليه في بيته الذي هو ساكنه إما بملك أو إجارة أو غصب ، فإن كان ذاكرا ليمينه حنث ، وإن كان ناسيا ففي حنثه قولان ، وكذلك إذا دخل عليه مكرها على ما سنذكره من توجيه القولين :

أحدهما : يحنث بنفس الدخول .

والثاني : لا يحنث بنفس الدخول ، ولا باستدامته مع تعذر الخروج ، فإن أمكنه الخروج فأقام ولم يخرج حنث باستدامة الدخول قولا واحدا ؛ لأنه قد وجد منه العقل وتجدد منه الذكر فصار كالعمد .

والقسم الثاني : أن يدخل عليه في مسجد فقد نص الشافعي في كتاب الأم أنه لا يحنث لأن اسم البيت ينطلق على المسجد مجازا ، والحقيقة أن يسمى مسجدا ، فحمل على الحقيقة دون المجاز ، وعند مالك يحنث ؛ لأنه يعتبر الأسباب .

والقسم الثالث : أن يدخل على عمرو بيتا ، فيكون زيد المحلوف عليه عنده في بيته ، فقد اختلف كلام الشافعي في حنثه بهذا الدخول ، فاختلف أصحابنا فيه على أربعة أوجه :

أحدها : - وهو اختيار المزني - أنه يحنث علم أنه بالبيت أو لم يعلم اعتبارا بالفعل دون القصد ، وهو قول من حنث العامد والناسي .

والوجه الثاني : وهو اختيار الربيع أنه لا يحنث علم أنه في البيت أو لم يعلم ؛ لأنه داخل على غيره اعتبارا بالمقاصد .

والوجه الثالث : وهو اختيار أبي العباس بن سريج أنه يحنث إن علم أنه في البيت [ ص: 366 ] ولا يحنث إن لم يعلم ؛ لأنه مع العلم قاصد ومع الجهل غير قاصد ، وهذا قول من فرق بين العمد والخطأ .

والوجه الرابع : وهو مذهب عطاء أنه إن لم يعلم به أو علم فاستثناه بقلبه لم يحنث ، وإن علم ولم يستثنه ، حنث ، تخريجا ممن حلف لا يكلم زيدا ، فسلم على الجماعة وهو فيهم ، واستثناه بنيته لم يحنث على ما سنذكره من شرح المذهب فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية