الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : إذا قال : من تسريت بها من جواري ، فهي حرة ، فتسرى بجارية كانت في ملكه وقت يمينه عتقت .

وإن تسرى بجارية ملكها بعد يمينه لم تعتق ، لأنه لما لم ينفذ العتق قبل الملك ، لم تنعقد اليمين به قبل الملك .

فأما التسري الذي يعتق به ، فليس له في الشرع عرف ، والمعتبر فيه عرف اللغة والاستعمال .

فأما اللغة ففيما اشتق منه التسري خمسة أوجه :

أحدها : أنه مشتق من السرور ، ولأنه مسرور بالاستمتاع بها . والثاني : أنه مشتق من السرو ، لأنها أسرى جواريه عنده .

[ ص: 409 ] والثالث : أنه مشتق من السراء ، وهو الظهر ، لأنها كالظهر المركوب .

والرابع : أنه مشتق من السرر وهو الجماع ، لأنها معدة لجماعه .

والخامس : أنه مشتق من الستر ، لأنه قد سترها بالخدر بعد البذلة ، وستر جماعها بالإخفاء .

وأما عرف الاستعمال في التسري ، فهو طلب الولد منها ، وذلك يكون بالإنزال والجماع ، وقد نص عليه الشافعي في الأم في اللعان ، وهو الظاهر من مذهبه ، أنه يصير متسريا بها إذا جامع وأنزل ، ولا يصير متسريا إذا جامع ولم ينزل ، وبه قال أبو يوسف . وقال أبو حنيفة : يكون متسريا إذا جامع ولم ينزل ، وخرجه أبو العباس بن سريج وجها ثانيا ، والأول أصح ، تغليبا لعرف الاستعمال على عرف اللغة ، لأن عرف الاستعمال ناقل .

واختلف في تخديرها عن أبصار الناس ، هل يكون شرطا في كمال السراء على وجهين :

أحدهما : أنه شرط فيه ، لأن عرف الاستعمال واللغة جاريان به ، فعلى هذا لا تعتق بالجماع وحده ، حتى يخدرها ويسترها .

والوجه الثاني : أنه ليس بشرط فيه ، لأن عرف الشرع لا يوجب تخدير الأمة ، فصار عرف الاستعمال مخصوصا به ، فعلى هذا تعتق بالجماع وحده ، وإن لم يخدرها .

فأما جماعها دون الفرج ، فلا يصير به متسريا وجها واحدا ، ووافق عليه أبو حنيفة ، وليس على مذهب مالك أن يكون به متسريا .

التالي السابق


الخدمات العلمية