الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو حلف أن لا يشرب سويقا فأكله ، أو لا يأكل خبزا فماثه فشربه ، أو لا يشرب شيئا فذاقه ، فدخل بطنه لم يحنث " .

قال الماوردي : اعلم أن الأفعال أنواع كالأعيان ، فإذا تعلقت اليمين بنوع من فعل ، فهي كتعلقها بنوع من يمين ، فلا يحنث بغير ذلك العين ، كما لا يحنث بغير تلك العين .

والأكل نوع ، والشرب نوع ، والذوق نوع ، والطعم نوع ، ولكل نوع من هذه الأربعة صفة متميزة تختص به .

وإن جاز أن يقع الاشتراك في بعض الصفات ، فإذا حلف لا يشرب هذا السويق ، [ ص: 418 ] فشربه أن يمزجه بالماء ويشربه كشربه الماء ، فإن شربه على هذه الصفة حنث . وإن بله حتى اجتمع وأكله مضغا لم يحنث ، لأنه آكل وليس بشارب ، ولو استفه سفا لم يحنث لأنه ليس بشارب ولا آكل ، وإن حلف لا آكل هذا الخبز ، فأكله أن يمضغه بفمه ، ويزدرده إلى جوفه ، فإن أكله على هذه الصفة حنث ، وإن رضه ، ومزجه بالماء وشربه لم يحنث ، لأنه شارب ، وليس بآكل .

ولو ابتلعه من غير مضغ لم يحنث ، لأنه ليس بآكل ، ولا شارب ، ولا يحنث في الأكل والشرب إلا بما وصل إلى الجوف ، فإن حلف لا ذاق هذا الطعام ، فالذوق أن يعرف طعمه بفمه .

وهل يحتاج مع معرفة طعمه بفمه إلى وصول يسير منه إلى جوفه ؟ على وجهين :

أحدهما : أنه لا يكمل الذوق إلا بوصول يسير منه إلى جوفه ، ليمر في الحلق ، وهو الظاهر من نص الشافعي .

فإن لم يصل شيء منه إلى الجوف لم يكن ذائقا ولا حانثا .

والوجه الثاني : وهو أظهر أنه لا يعتبر فيه إلا معرفة الطعم دون الوصول إلى الجوف ، لمفارقته للأكل والشرب المختصان بالوصول إلى الجوف .

فإن أكل هذا الذائق أو شرب حنث ، لأنه قد ذاق وزاد .

وإن حلف لا يطعم هذا الطعام ، فالتطعم معرفة طعمه بلسانه ، ولا اعتبار بوصول شيء منه إلى جوفه ، فإذا عرف طعمه حنث ، فإن ذاقه أو أكله أو شربه حنث ، لأنه قد تطعم وزاد .

وإن حلف لا أطعم هذا الطعام ، حنث بأكله وشربه ، ولم يحنث بذوقه وطعمه ، لفرق ما بين الطعم والتطعم ، لأن الطعم ما صار طعاما له ، والتطعم ما عرف طعمه .

فلو أوجر الطعام بقمع في حلقه ، ولم يدن في لهوات فمه ، حتى وصل إلى جوفه ، فإن كانت يمينه على الأكل والشرب والذوق والتطعم لم يحنث لعدم شروطها في الوجوه كلها ، وإن كانت على أن لا يطعم حنث ، لأنه قد وصل إلى جوفه ، فصار طعاما له .

التالي السابق


الخدمات العلمية