الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو حلف لا يأكل سمنا فأكله بالخبز أو بالعصيدة أو بالسويق حنث ؛ لأن السمن لا يكون مأكولا إلا بغيره ، إلا أن يكون جامدا فيقدر على أن يأكله جامدا مفردا " .

قال الماوردي : أما السمن فله حالتان : جامد ، وذائب .

[ ص: 419 ] فإذا حلف لا آكل سمنا ، فله في أكله حالتان :

إحداهما : أن يأكله منفردا .

والثانية : أن يأكله مع غيره .

فإن أكله منفردا ، وكان جامدا حنث ، وإن كان ذائبا لم يحنث ، لأنه يكون للجامد آكلا ، وللذائب شاربا .

وإن أكله مع غيره من خبز أو سويق أو في عصيدة ، فقد اختلف أصحابنا في حنثه على ثلاثة أوجه :

أحدها : - وهو قول أبي سعيد الإصطخري - أنه لا يحنث إذا خلطه بغيره ، سواء كان جامدا أو ذائبا ، ولم يطلق عليه اسم الأكل إلا بانفراده ، وأجراه مجرى قوله : والله لا أكلت طعاما اشتراه زيد ، فاشترى زيد وعمرو طعاما ، فأكله لم يحنث .

والوجه الثاني : - وهو قول أبي إسحاق المروزي - أنه إن كان جامدا لم يحنث بأكله مع غيره ، وإن كان ذائبا حنث بأكله مع غيره ، لأنه يقدر على أكل الجامد منفردا ، ولا يقدر على أكل الذائب إلا مع غيره .

والوجه الثالث : وهو مذهب الشافعي ، وما عليه جمهور أصحابه أنه يحنث بأكله مع غيره إذا كان ظاهرا فيه ، كما يحنث بأكله منفردا ، سواء كان جامدا أو ذائبا ، لأن اختلاط ما حلف عليه بما لم يحلف عليه لا يمنع من وقوع الحنث به ، كما لو حلف : لا أكلم زيدا ، فكلم جماعة هو فيهم حنث ، وكما لو حلف : لا آكل طعاما اشتراه زيد ، فاشترى زيد طعاما ، واشترى عمرو طعاما ، فخلطهما وأكلهما ، حنث كذلك السمن إذا خلطه بغيره حنث بأكلهما .

وعلى هذا يكون التفريع ، فإذا أكل السمن مع غيره ، فجعله عصيدا ، أو بل فيه خبزا أو لت فيه سويقا ، فله أربعة أحوال :

أحدها : أن يظهر فيه طعمه إذا أكل ، أو يظهر فيه بياض لونه إذا ثرد ، فيحنث بأكله لظهور صفتي السمن من طعم ولون .

والحال الثانية : أن لا يظهر فيه طعمه إذا أكل ، ولا يظهر فيه لونه إذا ثرد ، فلا يحنث بأكله ، لأن السمن قد صار بعدم الصفتين مستهلكا .

والحال الثالثة : أن يظهر فيه طعمه إذا أكل ، ولا يظهر فيه لونه إذا ثرد ، فلا يحنث بأكله ، لأن يمينه مستهلكة ، فلم يحنث بطعمه .

والحال الرابعة : أن يظهر فيه لونه إذا ثرد ، ولا يظهر فيه طعمه إذا أكل ، فيحنث بأكله ، لبقاء عينه ، فلم يؤثر فقد طعمه .

[ ص: 420 ] وهكذا لو حلف لا يأكل عسلا ولا دبسا ، كان كالسمن ، لأنهما يجمدان تارة ، ويذوبان أخرى ، ويؤكلان منفردين ومختلطين ، فيكون على ما قدمناه من الجواب .

فأما إذا حلف لا يأكل خلا ، فالخل ذائب ، وقل أن يجمد .

وإذا كان ذائبا لم يحنث بأكله منفردا ، لأنه يصير شاربا ، ولا يكون آكلا .

وإن أكل مع غيره من خبز أو في سكباج فإن صار مستهلكا فيه لم يحنث ، وإن كان ظاهرا فيه حنث .

وكذلك إذا حلف لا يأكل لبنا ، فأكله بغيره أو طبخه مع غيره ، فإن حلف لا يشرب لبنا فخلطه بغيره ، فإن كان ما خلطه به جامدا لم يحنث ، لأنه يصير آكلا ، ولا يكون شاربا ، وإن خلطه بمائع ، فإن كان اللبن أغلب ، لظهور لونه وطعمه حنث بشربه ، وإن كان مغلوبا لخفاء لونه وطعمه لم يحنث .

التالي السابق


الخدمات العلمية