الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا قال : والله لا أكلت الفاكهة ، حنث بجميع أنواعها من ثمار الأشجار كلها ، فيحنث بأكل التفاح والمشمش والكمثرى والسفرجل والنبق والتوت والرمان والعنب والرطب .

وقال أبو حنيفة : لا يحنث بالرمان والعنب والرطب ، وإن خالفه أبو يوسف ومحمد ، وقالا بقولنا احتجاجا بقول الله تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان [ الرحمن : 68 ] . وقال تعالى : فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا [ عبس : 27 - 31 ] فجمع بين الفاكهة ، وبين العنب والرطب والرمان في الذكر ، وخير بينها وبينهم في الاسم ، فدل على خروجها من اسم الفاكهة ، كما خرج منها الزيتون ، لتميزه بالاسم .

[ ص: 440 ] ودليلنا : ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع الثمار حتى تزهى قيل : وما تزهى ؟ قال : حتى تحمار أو تصفار .

والدليل فيه من وجهين :

أحدهما : أن الفواكه هي الثمار والرطب والعنب من أجلها .

والثاني : أنه جعل الاحمرار والاصفرار مبيحا لبيعها ، وهذا مما يشترك فيه جميعها ، ولأن أهل اللغة متفقون على دخول العنب والرطب والرمان في الفاكهة ، فروي عن يونس النحوي أنه قال : الرمان والنخل من أفضل الفاكهة ، وإنما قصدا بالذكر لفضلهما ، واستشهد بقول الله تعالى : من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال [ البقرة : 98 ] ، فذكر الملائكة ، وخص جبريل وميكال بالذكر ، وإن كانا من الملائكة لفضلهما .

وقال الخليل : الفاكهة : الثمار كلها .

وقال الحسن والضحاك : الرطب والرمان من الفواكه ، وفضلا بالذكر على جميعها ، وهؤلاء في اللغة قدوة متبعون ولا يسوغ خلافهم فيها ، ولأن اسم الفاكهة مشتق من التفكه بها ، وهي الاستطابة من قولهم : فلان يتفكه بكلامه أي : يتطارب به ، وهذا موجود في العنب والرطب والرمان أوفى من وجوده من غيرها ، فكان أحق باسمها ، ولأنه ليس الجمع في الجنس بين خصوص وعموم بمانع من دخول الخصوص في العموم كما قال تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [ البقرة : 238 ] ، فدخلت في عموم الصلوات ، وإن خصت بالذكر . وكقوله : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح فدخل في عموم الأنبياء مع التخصيص بالذكر . قال أصحاب أبي حنيفة : إنما يدخل الخصوص في العموم إذا تأخر ، ولا يدخل فيه إذا تقدم .

قيل : هذه دعوى لا يشهد للفرق بينهما دليل ، وإن سلم ذلك لكم ، فقد تأخر خصوص قوله : فيهما فاكهة ونخل ورمان على عموم الفاكهة ، فوجب أن يدخلا فيها .

فإذا تقرر ما ذكرنا ، فلا خلاف بين أصحابنا في دخول العنب والرمان في الفاكهة في جميع البلاد .

وأما الرطب ، فقد كان بعض أصحابنا يجعله من الفاكهة في البلاد التي يقل فيها كبغداد ، ولا يجعلها من الفاكهة في البلاد التي يكثر فيها كالبصرة ، وذهب جمهورهم [ ص: 441 ] إلى أنه من الفاكهة من جميع الأمصار لما قدمناه من الاستدلال .

فأما ثمار ما عدا الأشجار ، فالموز فاكهة والبطيخ فاكهة ، وليس الخيار والقثاء من الفاكهة ، وإنما هما من الخضراوات ، لأنها لا تتغير عن ألقابها إلا عند فسادها .

فإذا ثبت ما يدخل في اسم الفاكهة حنث بأكله رطبا ، فإن أكله يابسا ، فهو على ضربين :

أحدهما : ما ينقل عن اسمه بعد يبسه وجفافه كالرطب يسمى بعد جفافه تمرا ، وكالعنب يسمى بعد جفافه زبيبا ، فلا يحنث بأكله ، وقد خرج عن الفاكهة بزواله عن اسمه .

والضرب الثاني : أن لا ينتقل عن اسمه بعد جفافه كالتين والخوخ والمشمش ، ففي حنثه بأكله وجهان :

أحدهما : يحنث به لبقاء اسمه .

والوجه الثاني : لا يحنث به لانتقاله عن صفته .

التالي السابق


الخدمات العلمية